لم تكن أوليات الحرب الروسية تقتصر على كونها الحرب الأولى في أوروبا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي حولت الجميع إلى إعلاميين، ولا كونها أسقطت بكل وضوح مسألة حيادية الإعلام حيث عمل خلالها وفق أجندات تخدم السياسة، ولا كونها كشفت كثيرًا من وجوه التعامل العنصري حتى مع مسائل اللجوء وغيرها، ولا كونها كشفت تمترس كثيرين خلف هذا الطرف أو ذاك، ولا كونها من الحروب الأولى لدولة كبرى مثل روسيا تستعين فيها وبالعلن بمرتزقة من الشرق الأوسط، بل وكذلك كانت ميدانيًا لاختبار واستخدام أسلحة تظهر لأول منها في النزاعات الحربية بين الدول، من بينها ما كشف عنه الجيش الروسي السبت الماضي بتأكيده أنه استهدف مناطق في أوكرانيا بصواريخ فرط صوتية، في ما يرجح أن يكون أول استخدام لها خلال نزاع، ويأتي في خضم سباق بين القوى الكبرى لتطوير هذه الأسلحة التي سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن عدّها «لا تقهر».

سلاح لا يقهر

أفادت وزارة الدفاع الروسية عن استخدام صواريخ من طراز «كينجال» فرط الصوتية لتدمير مخزن أسلحة تحت الأرض في غرب أوكرانيا.

وقال الناطق باسم الوزارة إيجور كوناشينكوف «في 18 مارس دمرت منظومة كينجال مع صواريخها البالستية فرط الصوتية مخزنًا كبيرًا تحت الأرض للصواريخ والذخائر تابعًا لسلاح الجو الأوكراني في بلدة ديلياتين في منطقة إيفانو-فرانكيفسك».

وتنخرط روسيا راهنا في نزاعين عسكريين، هما غزوها لأوكرانيا منذ 24 فبراير، ودعمها المباشر اعتبارًا من عام 2015 لقوات الرئيس السوري بشار الأسد في النزاع في بلاده.

وهي المرة الأولى تعلن فيها موسكو اللجوء لصواريخ كهذه في نزاع عسكري، بعدما سبق لها استخدامها في عدد من المناورات الحربية اعتبارًا من العام 2018 حين سجّل أول اختبار ناجح لها.

ويؤكد المحللون العسكريون أن روسيا أرادت استخدام كينجال في ظروف القتال، وأن هذه «سابقة عالمية».

مزايا كثيرة

تؤكد موسكو أن هذا الصاروخ قادر على تفادي أنظمة الدفاع الجوي نظرًا لسرعته التي قد تبلغ «ماخ 10»، أي نحو 12 ألف كلم/ساعة.

كما أن قدرة التحكم به تمنحه هامش مناورة وتجعل اعتراضه من قبل الدفاعات الجوية أمرًا بالغ الصعوبة، برغم أن خبراء عسكريين غربيين يرون أن روسيا قد تبالغ في بعض هذه القدرات.

الترويع

يفسر المحللون استخدام روسيا لهذا السلاح، بأنها أرادته للترويع، و«كينجال» («جنجر» بالروسية)، فتدمير مخازن تحت الأرض صعب بالصواريخ التقليدية، فالصاروخ فرط الصوتي يتمتع بقدرة اختراق وقدرة تدميرية أهمّ بفضل سرعته الفائقة.

واعتبر الخبير العسكري الروسي بافيل فلجنهاور أن استخدام «كينجال» لا يمنح روسيا تفوقًا إستراتيجيا في أوكرانيا، بقدر ما يعزز العامل النفسي والثقة الناتجة عن دفع موسكو بأحد أبرز إنتاجاتها ذات القوة التدميرية إلى المعركة، أي بمعنى أن له تأثيرًا في مجال الدعاية النفسية لإخافة الجميع.

وتنتمي صواريخ «كينجال» البالستية فرط الصوتية وصواريخ كروز من نوع «زيركون» لعائلة جديدة من الأسلحة طورتها روسيا ويعدّها بوتين «لا تقهر».

وتبقى درة تاج الجيش الروسي في هذا المجال، المركبة الانزلاقية فرط الصوتية «أفانجارد»، القادرة على حمل رأس نووي والتحليق بسرعة 33 ألف كلم/ساعة، وتغيير مسارها وارتفاعها بشكل غير متوقع، ما يجعل اعتراضها من صواريخ الدفاع الجوي شبه مستحيل.

نجاح تهديفي

أجريت تجارب ناجحة على صواريخ «كينجال» عام 2018، وأصابت خلالها كل أهدافها على مسافة ما بين ألف وألفي كلم، بحسب وزارة الدفاع الروسية.

إلا أنه يمكن لهذا المدى أن يتضاعف نظرًا للقدرة على تجهيز طائرات حربية من طراز «ميج-31» بهذه الصواريخ.

وطورت روسيا هذه الصواريخ لتمتلك أسلحة قادرة على الإفلات من أنظمة الدفاعات الجوية مثل الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في أوروبا.

ويأتي استخدامها في أوكرانيا، في وقت يبدو أن الجيش الروسي لم يحكم بعد سيطرته على مجالها الجوي، إذ لا تزال دفاعات كييف الأرضية قادرة على إلحاق أضرار بسلاح الجو التابع لموسكو.

وروسيا هي أول دولة في العالم عملت على تطوير صواريخ فرط صوتية. وشكّل هذا المجال موضع فخر لبوتين الذي ما انفك يعتبر أن حيازة بلاده لهذا النوع من الأسلحة، يدلّ على تفوّقها العسكري.

وبعدما أدخلت روسيا هذه الصواريخ مجال الاختبارات الجدية، قامت قوى كبرى أخرى بتسريع تطوير برامجها الخاصة، ما أدى الى سباق تسلّح في مجال الصواريخ فرط الصوتية، حيث أكدت كوريا الشمالية تطوير صواريخ كهذه واختبارها، مثلها مثل الصين التي باغتت العالم قبل أشهر مع الكشف عن إطلاقها مركبة انزلاقية فرط صوتية قامت بدورة حول الأرض بسرعة 6 آلاف كلم/س، وأطلقت مقذوفًا أثناء تحليقها.

وشدد كاتشين على أن الروس هم «أول من يستخدم هذه الأسلحة. الصينيون قاموا بذلك أيضًا منذ مدة. إلا أن الولايات المتحدة لا تملك سلاحا كهذا الى الآن».

تفوق على أمريكا

ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر حول الأسلحة الفرط صوتية الروسية قائلًا، إنَّ الولايات المتحدة «ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية».

وقال خبراء عسكريون لمجلة Newsweek الأمريكية إن صاروخ تسيركون الروسي مثلًا يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة، وباعتباره صاروخًا مضادًا للسفن، فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيجيس) الأمريكي.

ويقول برنت إيستوود، إن «نظام أيجيس يحتاج من 8 إلى 10 ثوان لرد الفعل من أجل اعتراض الصواريخ القادمة. لكن خلال ذلك الوقت سيكون صاروخ تسيركون قد قطع بالفعل مسافة 12 ميلًا (حوالي 19 كم) على الأقل، ولا بد أن نشعر بالقلق حيال إمكانية إطلاق تسيركون عن غير قصد بما قد يشعل تبادل إطلاق نار نووي».

ومقابل النجاح الروسي في هذا الجانب، أجرت أمريكا كثيرًا من الاختبارات للمحركات النفاثة الفرط صوتية، وقابلت عقبات جمة.

ويقول توم كاراكو، الباحث بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية لمجلة Politico الأمريكية، إنه «قبل عدة سنوات، كان الناس يتحدثون عن مدى تأخر الولايات المتحدة من حيث اختبار الصواريخ المتطورة وربما في تطويرها أيضًا. ومع ذلك تتحرك الولايات المتحدة الآن بأسرع ما يمكن في عدد من البرامج».

تعزيز الدفاع

على الطرف الآخر من الحرب تلقت أوكرانيا وعدا من الرئيس الأمريكي جو بايدن بالحصول على «أنظمة دفاع جوي مداها أطول» من صواريخ ستينجرز المحمولة على الكتف (سبق أن استخدمت ضد الطائرات الروسية في أفغانستان)، لكن الكلام عن تسليم هذه البطاريات القوية المضادة للصواريخ التي يحتاج إليها الجيش الأوكراني بسرعة، يبدو أسهل من تنفيذ ذلك عمليًا.

تقصف المدافع الروسية المدن الأوكرانية، ولذا فالبطاريات المتنقلة المضادة للطائرات مثالية لهذا الغرض، مثل باتريوت التي ثبتت فاعليتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة في العراق والخليج. ويتم تحميل منظومة باتريوت على شاحنات. وهي تتألف من رادار قادر على رصد واعتراض طائرة أو طائرة مسيرة أو صاروخ داخل دائرة يتجاوز شعاعها المئة كيلومتر، ومركز مراقبة يديره ثلاثة جنود وبطارية من الصواريخ الاعتراضية. لكن العسكريين الأوكرانيين ليسوا مدربين على استخدام هذا السلاح الأمريكي المتطور.

في المقابل يعرف هؤلاء كيفية استخدام نظام «إس-300» المضاد للطائرات، المنافس الروسي من الجيل الأول لصواريخ باتريوت الأميركية بمدى محدود لكنه كاف لحماية مدينتي خاركيف أو كييف القريبتين من الحدود الروسية التي تطلق منها معظم الصواريخ التي تستهدفهما.

ومنظومة «إس- 300» يمكن أن تأتي من بعض دول المعسكر السوفيتي السابق لا تزال تمتلكها خصوصًا سلوفاكيا وبلغاريا اللتان زارهما وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في الأيام الأخيرة.

لكن هذه الدول لا تزال تعتمد على المنظومة لأمنها وتطالب ببديل - بعبارة أخرى منظومة باتريوت - قبل إعطائها لأوكرانيا. وقال وزير الدفاع السلوفاكي ياروسلاف ناد للصحافيين الخميس «نحن مستعدون للقيام بذلك على الفور عندما يكون لدينا بديل مناسب».

تسليح على قدم وساق

أعلنت هولندا مطلع الأسبوع أنها ستنشر بطارية باتريوت في قاعدة سلياك العسكرية بوسط سلوفاكيا، بينما أكدت ألمانيا أنها سترسل بطاريتين أخريين إلى البلاد مما قد يسهل نقل البطارية السلوفاكية الوحيدة «إس- 300» إلى أوكرانيا.

لكن صواريخ باتريوت الألمانية والهولندية لن تصل إلى سلوفاكيا على الفور - تتوقع هولندا تحقيق ذلك في 15 أبريل - والوقت ينفد بالنسبة للجيش الأوكراني.

يبدو أن عددًا من الدول مستعدة لتزويد كييف بصواريخ احتياطية لمنظومة «إس- 300»، حيث تحتاج أوكرانيا إلى عدد كبير من المنظومات الكاملة - بما في ذلك رادارات ومراكز مراقبة.

ويرى برنت إيستوود من موقع «19فورتيفايف» المتخصص، أن منظومة «إس- 300 أفضل من لا شيء لكنها ليست كافية».

وكانت أوكرانيا تمتلك 100 بطارية «إس- 300» قبل الغزو. ويؤكد الجيش الروسي أنه دمر حوالي 40 منها في بداية هجومه في 24 فبراير.

ويقدر إيستوود أن أوكرانيا وهي بلد شاسع يحتاج إلى كثير لحماية مدنه، وهو يحتاج على الأقل 4 بطاريات اس- 300 للنقاط الأساسية الأربع في كييف.

وتمتلك دولتان أخريان في حلف شمال الأطلسي (ناتو) هما بلغاريا واليونان صواريخ «إس-300»، لكن سيتعين حصولهما على بدائل أيضًا.

مرتزقة في الحرب

إضافة للاستخدام لسلاح جديد، عملت روسيا على تجنيد كتيبة جديدة من المرتزقة للقتال لصالحها في أوكرانيا، وأعلن وزير دفاعها سيرجي شويجو أن نحو 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط أبدوا استعدادهم للمشاركة في القتال في صفوف الجيش الروسي. وأضاف أن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى أوامر بالسماح لمقاتلين من الشرق الأوسط المشاركة في الحرب الجارية».

وكانت القوات الروسية تكبت منذ اندلاع الحرب خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد جاءت فوق توقعاتها، وهو ما دفع موسكو إلى تجنيد آلاف الأفراد من دول الشرق الأوسط، سماهم وزير الدفاع «متطوعين» عربا، بينهم على وجه الخصوص سوريون.

ولا يرى الروس غضاضة في الأمر، حيث برر بوتين موافقته على تجنيدهم بالقول إن أوكرانيا، المدعومة من الغرب، تجند مرتزقة من كافة أنحاء العالم خارج إطار القانون.

ميزات الصاروخ الروسي فوق الصوتي ـ كينجال

قدرة فائقة على إصابة الأهداف بدقة متناهية

انحرافه عن الهدف لا يتجاوز مترا واحدا

سرعته حوالي 12 ألف كلم /‏ الساعة (10 ماك)

سرعته تفوق سرعة الصوت عدة مرات

قادر على تدمير الأهداف على مدى 2000 كلم

يمكنه حمل رؤوس نووية أو تقليدي بوزن 500 كيلوطن.

يسمى بالعربية «الخنجر القناص»

مخصص لتدمير السفن الكبيرة وحاملات الطائرات

كشف عنه لأول مرة عام 2018

يطلق من الجو بمدى يتراوح بين 1500 كلم - 2000 كلم

أسلحة فرط صوتية تمتلكها روسيا

المركبة الانزلاقية «أفانجارد»

أحد أبرز الأسلحة الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا

مركبة انزلاق فرط صوتية

أقصى سرعة لها تصل ما بين 20 و27 ماخ (24500-33000 كلم/ الساعة)

تستطيع حمل رأس نووية تزن 2 ميجاطن

يصل مداها إلى ما يزيد عن (6000 كلم تقريبًا).

صاروخ «تسيركون»

مضاد للسفن

قادر على القيام برحلة طويلة المدى

تصل سرعته القصوى 9 «ماخ».

أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير 2020 من فرقاطة

بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم