معظم القرارات التي نتخذها تعتمد على البيانات المتاحة، وكلما كانت البيانات دقيقة كلما كان اتخاذ القرار منطقيا وسليما. لكن دائما تبرز الأسئلة المهمة، وهي: هل البيانات المتاحة كافية لبناء التخطيط الإستراتيجي للمؤسسة واتخاذ القرارات السليمة؟ وهل الثقافة السائدة داخل المؤسسات الحكومية والخاصة منذ عقود ستجعل من السهولة إدارة هذه المؤسسات من خلال القرار المبني على البيانات؟. مما لا شك فيه أن بعض المؤسسات قد نجحت نجاحا باهرا في إدارة أعمالها من خلال توظيف البيانات، لتسيير أعمالها، وتسهيل المهام للمستفيدين، والحصول على رضاهم بشكل كامل، ولعلنا نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، نظام «أبشر» بوزارة الداخلية الذي يدير كما هائلا من المعلومات، ولكنها معلومات دقيقة يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل في اتخاذ جميع الإجراءات والقرارات.

في استبيان لبعض الشركات العالمية، أفاد بأن الاعتماد على البيانات يعتمد بشكل أساسي على قدرة الأفراد والمؤسسات على التكيف مع التغيير، وقد يكون من الصعب أن تتغير بعض المؤسسات بين عشية وضحاها.

وخلال السنوات القليلة الماضية، فإن بعض الأحداث أثرت بشكل مباشر في ثقافة المؤسسات، وجعلتها تتجه إجباريا إلى الاعتماد على البيانات، ولعل من أهم هذه الأحداث جائحة «كورونا». كما أن الإقبال على الخدمة الذاتية، التي يتزايد الطلب عليها، خلق نوعا من الضغط الكبير على المؤسسات، للاعتماد على البيانات في عملية اتخاذ القرار، وتسهيل الحصول على الخدمات. على سبيل المثال، كان تطبيق «توكلنا» فريدا من نوعه.

إن التحدي الذي يواجه العالم حاليا هو الكم الهائل من المعلومات التي تظهر كل يوم، وفي جميع المجالات، مما يجعل المؤسسات أمام أمر حتمي، وهو العمل على تطوير قدراتها، لمعالجة هذا الكم الهائل من البيانات، والاعتماد عليه بشكل كامل في التخطيط واتخاذ القرار.

في المقابل، فإن من أهم العوائق التي تحول دون قدرة بعض المؤسسات على الاعتماد الكامل على البيانات هو عدم القدرة على تحقيق القيادة الموجهة بالبيانات، حيث أفاد أكثر من %90 من المسؤولين التنفيذيين، في استقصاء تم إجراؤه العام الماضي، بأن بيئة العمل والثقافة السائدة تشكّلان العقبة الأهم أمام التحول إلى مؤسسات معتمدة على البيانات بشكل كلي، وهنا لا نقصد المشكلات التقنية والبنية التحتية الضعيفة فقط، وإنما أيضا تحدي الموظفين، ومدى تأهيلهم وقدرتهم. كما أن من العوائق التي تواجهها المؤسسات هو الكم الهائل من المعلومات التي تستقبلها بشكل يومي، مما يجعل من الصعوبة جمعها وتنظيمها وتبويبها، وفهم قيمتها وأهميتها.

ولعل من أهم العوائق أيضا هو الاستخدام المسؤول والأخلاقي للبيانات، ولا سيما أن جعل هذا الكم الهائل من المعلومات متاحا للكثير قد يتناقض من القوة التي تتولد من الخصوصية.

العديد من المؤسسات الحكومية - كما هو الحال في وزارتي الداخلية والعدل - أثبتت تميزها في إظهار صورتها كمؤسسات معتمدة على البيانات الدقيقة في عملية التخطيط الإستراتيجي، واتخاذ القرار المبني على البراهين، ويعزى هذا بشكل أساسي إلى عدد من العوامل، ولعل من أهمها التفكير بشكل مختلف، والتعلم بشكل سريع من التحديات، والتغلب عليها، والتركيز على رؤية وأهداف واضحة.