يعتبر التخصيص (الخصخصة) توجها عاما يقوم على أسس ومبادئ واضحة لها آثارها الكثيرة، حيث تعتمد بالمفهوم العام على آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتهدف إلى تعزيز جودة وكفاءة الخدمات العامة التي تخدم المجتمع بمختلف فئاته، بما يعزز تحقيق التنمية المستدامة بصورة فاعلة وعلى كافة الأصعدة.

وخلال العقود الماضية قامت عدة دول حول العالم بتخصيص بعض القطاعات فيها؛ بغرض تحقيق مستهدفات اقتصادية واجتماعية لخدمة المستفيدين والمتعاملين مع هذه القطاعات. في هذا المقال أود الحديث عن التخصيص في المملكة والذي كان محط اهتمام الحكومة، فقد قامت بتطوير إطار لتنفيذه حيث يعد «برنامج التخصيص» الذي انطلق منذ عدة سنوات، ضمن منظومة عمل شاملة لتحقيق رؤية المملكة 2030.

ويسعى البرنامج إلى تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية أمامه؛ بهدف تحسين جودة الخدمات ورفع كفاءتها، وتقليل تكلفتها، وكذلك تحفيز التنوع الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ ومن دون شك فإن ذلك سيزيد من جذب الاستثمارات.

يخفف التخصيص العبء المالي لمؤسسات القطاع العام على مالية الحكومة، ويسهم في تحصيل عوائد لخزينة المملكة، ويحقق دخلاً مالياً مستداماً.

وفي هذا السياق أعلن، مؤخراً، أن الحكومة تستهدف تحقيق دخل بنحو 55 مليار دولار من خلال عمليات الخصخصة، خلال الأعوام الأربعة المقبلة، مما يساعد على زيادة إيرادات الدولة، وبالتالي يرفع كفاءة الإنفاق ويعود بالنفع على المستفيدين من الخدمات، ووفقاً لذلك فإن الحكومة حددت نحو 160 مشروعاً، وغطت 16 قطاعاً للتخصيص، يتم من خلال بيع الأصول أو من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص وذلك حتى 2025م.

كما أن التخصيص من وجهة نظري سيمنح القطاع الحكومي الفرصة من أجل التركيز على الجانب الرقابي والتشريعي من خلال تخصيص بعض القطاعات المستهدفة التي تديرها الحكومة بشكل كامل؛ مما يشكل عبئاً ليس مالياً فقط، وإنما تشغيلي ورقابي، وهناك تجربة سابقة في المملكة عندما تم تخصيص قطاع الاتصالات وكانت في المجمل تجربة جيدة أسهمت في تحسين الخدمات وتنظيم القطاع وتعزيز المنافسة فيه، ما مكن الجهات الحكومية من التركيز على دورها الرقابي التشريعي، وخلال الأعوام الأربعة الماضية حققت المملكة، ولله الحمد، تقدماً كبيراً على مستوى عالمي في القطاع الاتصالات.

ومن المهم أن أذكر في الحديث عن «برنامج التخصيص» أنه خلال الأعوام الماضية يتضح أن البرنامج عمل على إرساء دعائم وركائز التخصيص، وأزال العديد من العقبات والمعوقات، بجانب تأسيسه لعدة خطوات تنظيمية تعلقت بالعقود، ووفر بذلك بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومحفزة للقطاع الخاص، لتستهدف بعدها منظومة التخصيص أبرز القطاعات الحيوية، كالصحة، والتعليم، والاتصالات، وتقنية المعلومات، والنقل، والطاقة، والقطاعات الأخرى، لتعظيم القيمة المستفادة من الأصول الحكومية، ورفع كفاءة الإنفاق.

كما وضع البرنامج عدة خيارات للقطاع الخاص للدخول بصورة تشاركية، حيث حقق البرنامج خطوات جيدة خلال المرحلة السابقة، تمثلت في وضع الأطر العامة للتخصيص، من خلال إصدار النظام وإنشاء المركز الوطني للتخصيص، والذي بدوره عمل على تنظيم الإجراءات المُتعلقة بمشاريع التخصيص وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وفق إجراءات تنظيمية اتسمت بالشفافية والعدالة، لتغطي القطاعات المستهدفة والأكثر حيوية ونشاطاً وأهمية بالنسبة للمستفيدين من الخدمات.

إقرار «نظام التخصيص» الذي اعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبارة عن: «ترتيب تعاقدي مرتبط بالبنية التحتية، أو الخدمة العامة، ينتج عنه علاقة بين الحكومة والطرف الخاص».

كما أن من أبرز وأهم مزايا النظام مرونته، حيث تضمن النظام طرح مشروع التخصيص من خلال وسائل الترسية المناسبة، وذلك بحسب طبيعة المشروع. ويهدف كذلك إلى إيجاد بيئة استثمارية تمكن المستثمرين من المشاركة في فرص التخصيص المطروحة، إضافة إلى ذلك، فإن النظام سيقدم حزمة كبيرة من الضوابط والإجراءات التي تزيد من ثقة المستثمرين في المشروعات المطروحة للتخصيص؛ لأنه يحمل عدة ضمانات مقدمة من الدولة.

ولكن من جهة أخرى، ورغم المزايا العديدة لـ«برنامج التخصيص» الذي يعد أبرز الممكنات لتطبيق مشاريع التخصيص على أرض الواقع، عبر فتح عدة مجالات حيوية للقطاع الخاص للاستثمار فيها، فإنه قد يكون هناك تخوف من احتكار القطاع الخاص وتحكمه في الخدمات الأساسية التي سيشغلها، برفع رسوم هذه الخدمات، على أساس أن هذا القطاع يستهدف الربحية، مما قد يتسبب في عدم قدرة بعض المواطنين على الحصول على الخدمات الأساسية.

ولذلك أعتقد أن الحكومة ومن خلال دورها الرقابي ستضع في الاعتبار هذا الجانب، وبكل تأكيد فإن لديها عدة خيارات وسياسات ستستخدمها لتحقيق المصلحة العامة ومصلحة المواطن والمستفيد من الخدمات.

من جانب آخر، فإن عمليات التداخل بين الجهات الحكومية والإطار المؤسسي للتخصيص مع تدخل العديد من الأطراف المختلفة بصفتها أصحاب مصلحة في المشاريع، يسبب أحياناً بعض التأخير في التنفيذ والتطبيق.

لذا اقترح المركز الوطني للتخصيص مجموعة خيارات وهياكل بديلة تسمح بتطبيق المشاريع دون تأخير، وهذا النضج بالتجربة سيكون عاملا إيجابيا مستقبلاً في تطوير وتسريع عمليات التخصيص بالطريقة الأمثل.

أخيراً أرى- من وجهة نظري- أن التخصيص سيسهم كثيراً في تعزيز النمو الاقتصادي- بأمر الله- كما سيزيد من فاعلية القطاعات والخدمات، والأهم أنه سيخلق فرص عمل للمواطنين في مختلف التخصصات.

كذلك عمليات التخصيص قد ينتج عنها شركات تدرج لاحقا في السوق المالية؛ مما يحقق عائداً على الاقتصاد ويعطي فرصا استثمارية جيدة للمواطن في تنويع استثماراته وزيادتها، وكما ذكرت سابقا فإن رفع الجودة والكفاءة في الخدمات الأساسية المقدمة سوف يكون لهما أثر إيجابي كبير لجميع المستفيدين من تلك الخدمات، ودون شك فإنَّ الجهود المبذولة تبين مدى اهتمام الدولة بكل ما يرتبط بالتخصيص، وتعمل على تطبيقه وفقاً لأفضل الممارسات والتجارب العالمية الناجحة، ويزيد من وتيرة عمليات التخصيص بشكل صحيح وبما يحقق مصلحة الجميع بمشيئة الله تعالى.