في تاريخ سقوط الأمم والحضارات لم تكن المشكلة دائما في العدو الخارجي، وإنما كان للعدو الداخلي الدور الأكبر في انهيار تلك الدول والمجتمعات. فعند وفاة الخليفة المستنصر تولى المستعصم الخلافة في الدولة العباسية، وكان كما تصفه كتب التاريخ لينا ضعيف التدبير واختار لوزارته ابن العلقمي الذي لم يكن وزير صدق وأمانة.

وكان العلقمي داهية زمانه فوضع خطته لإسقاط الخلافة العباسية، وذلك من خلال ثلاث مراحل، فالأولى كانت إضعاف الجيش، فقطع أرزاق العسكر وقلص نفقات الجهاد، وقلل العدد من مئة ألف مقاتل إلى عشرة آلاف، والخطوة الثانية في عملية إسقاط الدولة كانت من خلال مكاتبة التتار ومساعدتهم في اقتحام بغداد، أما الخطوة الثالثة فكانت تثبيط الخليفة ونهيه عن قتال التتار، بل أقنعه بالخروج لمقابلتهم والتصالح معهم، فتم القبض على الخليفة وقتله التتار بطريقة بشعة. وعندما استتب الأمر للتتار كان العلقمي أكثر شخص يحتقرونه ويسيئون معاملته، حتى إن امرأة من المسلمين عندما رأت ما كان فيه من ذل ومهانة، قالت له: يا ابن العلقمي أهكذا كنت أيام أمير المؤمنين، فخجل وسكت ثم مات بعد بضعة أشهر هما وغما، وظلت كتب التاريخ تذكر سيرته وتربطها بالخيانة واللؤم.

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا توقع العديد أن الأمر سيحسم، خلال أيام، بسبب قوة الجيش الروسي، إلا أن الروس وجدوا أنفسهم أمام مقاومة كبيرة، لا سيما في ظل الدعم الغربي.

ورغم أن أوكرانيا ظلت ولثماني سنوات تحاول تطهير جيشها ومخابراتها من العملاء الروس المحتملين، ولكن تلك الجهود باءت بالفشل، فقد ذكرت صحيفة «وول ستريت» الأمريكية أنه في حال شنت روسيا حربا شاملة على أوكرانيا فإن أحد أخطر الأسلحة الروسية سيكون موجودا داخل العاصمة كييف، وأوضحت الصحيفة أن الروس نجحوا في بناء شبكة جواسيس وعملاء داخل الجيش الأوكراني. وقد اعترف مستشار الأمن القومي الأوكراني بذلك عندما قال، «تشكلت شبكة الاستخبارات الروسية العاملة هنا منذ وقت طويل، ولم نتمكن من استئصالها بشكل كامل، إن مهمة هذه الشبكة هي تدميرنا كأمة». ويحذر الخبراء من أن العديد من المسؤولين الأمنيين يمكن أن ينشقوا وينضموا إلى الجانب الروسي إذا رأوا تفوقا روسيا في الحرب، وذلك طمعا في تولي مناصب قيادية في أوكرانيا عندما تكون تحت الهيمنة الروسية.

وتأكيدا لما سبق، أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي إقالة اثنين من كبار الجنرالات، واصفا إياهما بمناهضي الأبطال، وأنه ليس لديه الوقت الكافي للتعامل مع كل الخونة، ولكنهم سيعاقبون جميعا بالتدريج، وتابع زيلينسكي: إن الكثير من العسكريين لم يقرروا مكان وطنهم بعد، وينتهكون قسم الولاء في حماية أوكرانيا وحريتها واستقلالها، وأضاف: إنهم لا ينتمون إلينا.

وأخيرا لولا عملاء الداخل لما تجرأ عملاء الخارج على الأوطان، كما أنه لا يستطيع أي شخص أن يكون وطنيا خالصا، وهو في حالة عداء مع قيم ومعتقدات ومبادئ وسياسة الوطن الذي يعيش فيه.