بدأ شهر رمضان المبارك وبدأ معه زخم الإعلام المرئي المعتاد المرتبط به؛ برامج توعوية وأخرى صحية، وبرامج مسابقات وترفيه، وبرامج حوارية والعشرات من المسلسلات الدرامية والكوميدية التي تعرض على القناة الواحدة، وتعاد على عدد آخر من القنوات، حتى أصبح رمضان كرنفالا إعلاميًّا صاخبًا ترصد له ميزانيات خاصة، وتعد له قائمة طويلة من متطلبات الجمهور تصل بعضها للإسفاف والكوميديا السمجة، فضلًا عن القصص الدرامية التي تتفاوت في جودتها بين الرديء والجيد.

يتساءل الكثير عن سبب ارتباط شهر رمضان بكل هذا الكم الكبير من البرامج الحصرية خلال اليوم الواحد، وهو يشبه في هذا حصرية بعض الأطباق أو الألعاب الرياضية التي ارتبطت بهذا الشهر الكريم دون تفسير واضح. ولعل النمط العائلي الذي يسود في هذا الشهر هو الذي جعل من فكرة ارتباط العائلة بالجلوس معًا إلى مائدة واحدة في وقت محدد والتقارب الذي يحدث مع هذه العادة خلال ثلاثين يومًا التي تمتد للجلوس معًا ثم مشاهدة التلفاز معًا، وبالتالي افتراض زيادة الطلب على المواد المقدمة خاصة مع التنافس العالي بين القنوات المختلفة في زمن الانفتاح الفضائي.

إعلامنا السعودي شهد انفراجة يسيرة مع التحول الوطني الشامل الذي يحدث في المملكة مع رؤيتها 2030، وحزمة البرامج النوعية التي ظهرت مؤخرًا تبذل الجهد في تحسين الصورة النمطية للقناة السعودية الأولى بالتحديد التي نشعر جميعًا بالانتماء لها ونجافيها في الوقت نفسه. ولكن هل هذا الأمر كاف في ظل التنافس العالمي على الإعلام الجديد بشكل عام والإعلام المرئي بشكل خاص، ومنافسة التطبيقات المرئية التابعة لبعض الشبكات أو يعمل بشكل مستقل، ويمكن أن يشاهد بالهاتف المحمول ملء الكف أو على الشاشات الذكية في أي وقت وأي مكان.

منذ انفصال وزارتي الإعلام والثقافة إلى وزارتين مستقلتين؛ أصبح المتلقي والمهتم بما تقدمه الجهتان يعول عليهما كثيرًا، ففي الإعلام على سبيل المثال مع وجود الميزانيات المستقلة والرؤية الواضحة توجد إمكانات بشرية هائلة من الإعلاميين والمختصين أو من في طريقهم للاختصاص من كليات الإعلام التي تمتد بامتداد الوطن. وجود الثروة المادية والبشرية في الجانب الإعلامي فقط كفيل بخلق واقع إعلام مرئي سعودي مختلف عما اعتدناه من رتابة وتواضع في الأفكار ومحدودية القنوات خاصة إن تضافرت مع الخبرات والعقول المبدعة.

خلال انعقاد أحد صالونات هيئة الصحفيين السعوديين في مدينة نجران الأسبوع الماضي؛ طرح المنتج الفني الرائد محمد سعيد الغامدي أثناء حديثه في إحدى الجلسات تساؤلا استنكاريا أنه لم لا يكون هناك قناة تلفزيونية مختصة بالزراعة وما يتعلق بها من موضوعات واهتمامات وذلك في معرض حديث عن الثروات الزراعية التي تمتلكها نجران والنشاطات الاجتماعية المميزة التي تخدم هذا المجال، مثل هذه الفكرة بوجود قناة سعودية مختصة في الزراعة؛ تبث بجودة مستلهمة من أبناء المكان في مجال يهم فئات كثيرة في المجتمع السعودي كله ستكون فكرة مميزة وتخدم الإستراتيجيات الكبرى للدولة وتوجهها للوعي والاستدامة البيئية.

المملكة العربية السعودية هي قلب العالم مكانة وحضورًا وقوة اقتصادية وسياسية لا يختلف عليها أحد، وتتجه لها قلوب وأنظار واهتمام الملايين حول العالم؛ سواء لأسباب دينية أو اقتصادية أو سياسية. ومع هذا لا توجد فيها قناة واحدة تتحدث بغير العربية سواء قناة عامة أو قنوات مختصة في الاقتصاد أو الثقافة. نحن نحتاج مع الحراك الكبير في المملكة والتغييرات المصاحبة لهذا الحراك أن يكون لدينا عدة قنوات موجهة للداخل قبل الخارج؛ قنوات أطفال تعليمية تحاكي العالم الذي يعيش فيه أطفال هذا العصر، قنوات ثقافية قد تتفرع لإحدى عشرة قناة لكل واحدة من الهيئات المختصة التابعة لوزارة الثقافة، قنوات أسرة ومجتمع تتحدث عن قضايا المجتمع وتعالجها مع المختصين بعمق ووعي، قنوات فنية ترعى المنتج المحلي الفني على هيئة أفلام أو قصص أو مسلسلات وتقدمها من المجتمع للمجتمع، قنوات اقتصادية وطبية ... والقائمة تطول في المقترحات التي قد تحدث نقلة كبيرة في الإعلام المرئي، وتوفر فرصا وظيفية كثيرة للشباب السعودي، وتستقطب المنتج الإبداعي والفكري والخبرات المتراكمة في مختلف التخصصات وتكون قوة ناعمة تظهر الوجه المشرق للملكة باللغة العربية وبأهم اللغات الحية في العالم.

أغلب الظن أننا قادرون على تحقيق هذا الزخم الجميل والمتنوع طيلة العام من خلال قنواتنا السعودية، وأن وزارة الإعلام قادرة على أن تحقق هذا المستحيل وتنتقل من واقع هي فيه إلى تطلعات المتلقي وإن كانت مفرطة في الحلم.