يأتي توقيت هذا المقال، مرتبطًا بالامتياز الجديد، الذي ستصدر بموجبه جريدة «الوطن»، ذات العنوان الجميل، والتي تمثل البداية الصحفية، في تاريخ صحافة الجزيرة العربية، من الجنوب الغالي، بعد أن توافرت فيه، والحمد لله، وبدرجة عالية، المقومات البشرية والثقافية والاقتصادية والمهنية المؤهلة، للإسهام في النهضة الصحفية الشاملة.

والذي يسر الخاطر، أن المولود المنتظر سيبدأ، كما تبشر دراساته، من حيث انتهت إليه مؤسساتنا الصحفية الأخرى، وقد يسبقها في بعض النواحي المهنية، كما تفوق عليها في حجم رأس المال وعدد الأعضاء المؤسسين، وهي تطلعات طموحة، لم نتعود من خالد الفيصل على أقل منها.

يتيح هذا الخبر ـ البشرى، فرصة التأمل في التاريخ الصحفي، لمنطقة عزيزة أخرى، من بلادنا الغالية، وهي «طيبة» الطاهرة، ذات التاريخ المشرق، وأحد مصدري الإشعاع الديني والفكري والثقافي، عبر القرون، للأمة الإسلامية، والرائدة في تاريخ الأدب والطباعة والصحافة المعاصرة.

عرفت المدينة المنورة الطباعة والصحافة منذ تسعين عامًا، عندما صدرت فيها تباعًا، في عام 1327هـ صحيفة «الرقيب» ثم «المدينة» ثم «الحجاز»، وافتتحت فيها مطبعتان أهلية وأميرية، لكن تلك الصحف والمطابع، كانت بدائية ومتقطعة.

وفي العهد السعودي، صدرت في أواخر عام 1355هـ وأوائل 1356هـ مطبوعتان، كان لهما عظيم التأثير في الصحافة السعودية، وهما: مجلة «المنهل» التي أصدرها عبدالقدوس الأنصاري، وجريدة «المدينة المنورة»، أصدرها الأخوان علي وعثمان حافظ، وقد استمرتا في الصدور منذ ذلك العام، وحتى اليوم، حتى صار عمرهما أكثر من ستين عاما، حيث تعرضتا للتوقف خلال الحرب العالمية الثانية لشح الورق، علمًا بأن جريدة «المدينة» هذه، التي أصدرها آل حافظ، تختلف عن جريدة «المدينة» السابق ذكرها، والصادرة عام 1328هـ. انتقلت مجلة «المنهل» فترة معينة إلى مكة المكرمة، ثم استقرت في جدة، يصدرها ابن مؤسسها نبيه عبدالقدوس الأنصاري.

أما جريدة «المدينة» فقد انتقلت طباعتها إلى جدة في عام 1382هـ، ثم تحول امتيازها، إلى مؤسسة المدينة الصحفية، بعد صدور نظام المؤسسات الصحفية، والذي يعلق في الذهن، أن الامتياز الجديد قد بني على أن تصدر في مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

لقد قرر أحد وجهاء المدينة المنورة، أن ما أنفق في عام واحد لعمارة الحرم النبوي الشريف وتطوير المدينة المنورة في التوسعة الأخيرة، يفوق ما صرف عليهما في عقود، فالمدينة اليوم، لم تعد محصورة بين لابتي حرتيها، بل صارت مركز ثقل حضاري يعج بالنهضة التعليمية والثقافية والاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، يمتد عشرات الكيلومترات.

فهل تتحرك مؤسسة المدينة الصحفية أو أي مؤسسة أخرى، لملء الفراغ الصحفي في المدينة المنورة، بإصدار مطبوعة خاصة، أو طبعة خاصة متزامنة مع جريدتها، أو بما هو أكثر من ذلك، مما يعيد إلى المدينة المنورة مجدها الصحفي، كما عاد إليها مجدها الحضاري.

1998*

*إعلامي وأكاديمي سعودي «1944 - 2019»