دائما ما تشهد الساحة الثقافية ولادة طبيعية لأقلام تكتب بشكل واعد، إلا أنها في هذه الأيام تشهد ولادة أقلام على طريقة (الأنابيب الصناعية)، وأعني بالأنابيب الصناعية؛ تلك الحسابات والمواقع التي تنتج لهم المواد الثقافية بأنواعها كافة، من مقالات وقصائد وأبحاث، من دون أي حقوق فكرية، وتتاجر بها بطريقة عجيبة تشبه إلى حد كبير البضاعة الصينية في بداية انتشارها حتى استحواذها على أسواق العالم.

الغريب أن سوق هذه المواقع ينحصر في جنسية محددة، فنجد إعلانا عن بيع درزن من المقالات مقابل خمسة دولارات، وتلخيص كتب وبحوث طبية مقابل خمسة وعشرين دولارًا وخلال 24 ساعة فقط! السؤال الذي يطرح نفسه - باستغراب - هل هذا النوع من التجارة (الضئيلة الربح) هو مقدمة لاستعمار ثقافي لا يريد الاستقلال الفكري لعقول أبناء وبنات الوطن من تلك الجنسية المستهدفة له !؟

وإذا كان كذلك فإن بعض الكتّاب ممن اعتادوا شراء المقالات من تلك الحسابات بحثًا عن الشهرة والحضور الإعلامي، إنما يقدم نفسه في هذا المشهد «كمسترزق»، فبائع المقال يقول: «الرزق يحب الخفية»، والمشتري يرد عليه فيقول: «والخفية تحب الرزق أيضا»، في علاقة تكافلية تشبه علاقة العائل بالطفيل في الفطريات.!

لذلك أرى أنه لا بد من مكافحة هذا الغزو الفطري المبيد للثقافة، والمتلون على هيئة مقالات صحفية مسبقة الدفع.

ولا بد أيضًا من تقييد الاتجار بالملكية الفكرية، وضبط وسائل استغلالها، فالاتجار بها يعتبر غشا وانتحالا فكريا يسمح لأي شخص مجهول الأجندة أن ينتهزها فرصة ليقدم نفسه كمثقف ومؤثر إعلامي، بينما هو في الأصل فارغ بلا محتوى.

المضحك في الموضوع ما آلت له هذه الممارسات من انتشار رواد هذه الحسابات المعنية ببيع المقالات الصحفية، على أنهم باحثين ومدونين وكتّاب محتوى تستقطبهم القنوات التلفزيونية، ليظهروا بعد ذلك كرموز وقدوات ومشاهير، كما حدث سابقًا لحفاظ الآيات والأحاديث من ظهور لا زالت آثار استغلاله للدين باقية ومتغلغلة وتحتاج سنينا طويلة من التطهير.

إن صناعة مناخ ثقافي محفز للإبداع والتنافس واحترام مجهود الآخرين يحتاج خطة عمل بدايتها تنظيف البيئة الثقافية من الدخلاء عليها.