اقرؤوا معي هذين الخبرين الذين لا يفصل بينهما سوى يوم واحد، الأول كان السبت: «أوضحت الإدارة العامة للتعليم بمنطقة عسير في بيان لها أن ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مقطع فيديو تحت عنوان «طالب يعتدي بالضرب على معلم»، غير صحيح، وأن الواقعة تعود لمشاجرة بين طالبين أمام إحدى مدارس محافظة خميس مشيط بعد انصرافهما من المدرسة».

الخبر الآخر، هو: «أن طالبا في متوسطة بجدة توفي، الأحد الماضي، داخل الفصل. وبحسب المعلومات المتوفرة؛ دخل الطالبان في مشاجرة قبل أن يرتطم رأس أحدهما بالطاولة، تدخل زملاؤهما لفض الاشتباك. وبعد ذلك فقد الطالب توازنه وارتطم رأسه مرة أخرى بــــ «السبورة» قبل أن يسقط على الأرض، ويفارق الحياة، وتنازل والد المتوفى لوجه الله عن الطالب المتهم».

يمكن تلخيص الخبرين، بمفردة واحدة وهي «العنف»، والمشاجرات الطلابية، هي إحدى وقائع العنف الذي تشهده كثير من مدارسنا، وحتما مصدرها طلبة يتسمون بالعدوانية، والعنف، الذي يفرغونه في زملائهم - لا سيما وقت الفسحة - وتسفر عن إصابات، فضلا عن الأثر النفسي في المعتدى عليه.

ما يحدث ليس غريبًا، فكم مرة سمعنا عبارة «يا زين التربية زمان، مع الضرب، هذا جيل قليل الأدب والتربية والتعليم..».

كم مرة سمعنا أبا يخاطب ابنه ناصحا: «يا ولدي، في المدرسة خلك رجال إللي يضربك اضربه».

ثقافتنا على وئام مع المشاجرات والضرب إذن.

ثم لك أن تنظر إلى المقولة التربوية الخالدة، التي سمعها كل الأطفال من المحيط إلى الخليج: «هذا ابني فلكم اللحم ولنا العظم»، العبارة التي لطالما رددها الآباء للمعلمين، أي اضربوه كما تشاؤون، لكن اتركوا لنا العظم.

لذا ليس غريبا أبدا في ظل ثقافة «الضرب» أن تتابع مشهد زوج يضرب زوجته، أو أم تضرب الأبناء، أو زوجة تضرب الخادمة، أو أخ يضرب الإخوان.

والسؤال: ما التدابير التي اتخذناها في المدرسة لنواجه ثقافة العنف؟.

بعض قوانين الدول الأوروبية تجبر الأب والأم قبل دخول التلميذ على تعهد خطي للمدرسة ودائرة الشؤون الاجتماعية بأن يلتزما أولا بحضور دورات خاصة في حماية الأطفال من العنف، وثانيا يلتزمان بقانون حماية الطفل من الإيذاء.

من هنا، يظهر أثر تعليم قيم حقوق الإنسان في البيئة التربوية؛ فأوروبا تملك كثيرا من التشريعات والقوانين لحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال، حتى أصبحت جزءا من الخلفية الثقافية للمجتمع. وكذلك اهتمامها الخاص بالسياسات الحقوقية المدرسية التي ترتكز على مصالح الطفل الفضلى، التي تتنافس فيها كثير من الدول.

أخيرا أقول: الخطوة الحاسمة للحد من بانوراما العنف المدرسي عندنا، مرهونة بتأصيل قيم حقوق الإنسان داخل المجتمع المدرسي بحيث لا يدخل أي طفل المدرسة إلا بعد دورات مجانية مكثفة للآباء والأمهات وبشكل إلزامي، عن قوانين حماية الطفل من الإيذاء، وتعهد خطي من ولي الأمر بالالتزام بالقوانين.

أعتقد أن هذا هو المحك الحقيقي حتى ننتهي من هذه الدوامة.