في عالم السياسة لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم ولكن دائما المصلحة، هي ما يتحكم في البوصلة السياسية للدول. وربما الاستثناء من ذلك يشمل الدول التي أغرقت نفسها في الطائفية والمذهبية والقومية ولم تجعل مصلحة شعوبها ذات أولوية.

ولعل هذه المقدمة تجسد مقولة ونستون تشرشل (لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة)، والتي قالها بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. إن عالم العلاقات السياسية هو عالم من التعقيد والغموض، ولهذا فإن ارتكاب الأخطاء في فهم هذه العلاقات وتفسيرها قد يحدث كثيرًا عندما نطلق العنان للمشاعر الجياشة دون التفكير بعقل ومنطقية. لكل دولة دوامة مصالح كبرى تسعى إلى تحقيقها، وبما أن العالم منقسم إلى أقوياء وضعفاء فلا بد أن تسعى الدول إلى وضع نفسها في مصاف الدول القوية من خلال الاستخدام الأمثل لمواردها وطاقاتها.

والأمم العظيمة عندما تحاول أن تضع لنفسها بصمة في التاريخ وأن تكون لها الريادة فقد تشتد عليها الضغوط من الخارج، ولكن كل هذه الضغوط تتلاشى عندما تكون تلك الأمم محصنة من الداخل.

ومن أجل الوصول إلى القمة ومنافسة الأقوياء كان لا بد من تلك الرؤية الشاملة للحاضر والمستقبل، والتي كانت تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق التوازن وترتيب الأولويات وضمان المستقبل.

والرؤية التي وضعت لمستقبل الوطن فريدة من نوعها مع اهتمامها بالإبداع التقني والصناعي والأهم من ذلك التركيز على عبقرية النظم والتنظيم.

إن رحلة الرؤية كانت تحولا من العقل المنغلق إلى العقل المنفتح، فالعقل المنغلق هو عقل تقليدي جامد ومرتبط بأحداث الماضي ولا يمكنه تجاوزها، فيصبح ذلك العقل عبئًا على التفكير السليم. أما أصحاب العقل المنفتح فإنهم يستبصرون المستقبل ويطلقون العنان للأفكار الجديدة ويحررون الإبداع ويجعلوه معتمدًا على أساليب الأسس والبراهين والأبحاث العلمية.

إن طريق الإبداع متاح للجميع ولكنه وعر وطويل، والعظماء فقط يرون السير فيه عظيما وممتعا ويستشعرون السعادة وهم يحصدون ثمار النجاح التي تؤدي إلى سعادة الملايين.

ورغم النجاحات الكبيرة التي تحققها المملكة العربية السعودية إلا أنه ما زال هناك من يترصدها، ويعمل ليل نهار من أجل الإضرار بها والنيل من مصالحها وتشويه صورتها.

ولقد كان ديدن السعودية خلال عقود مضت هو النأي بالنفس وعدم الرد والتغافل عن ذلك، إلا أنه ومع الثورة الإعلامية وانفتاح وسائل التواصل والإعلام كان لا بد من تسمية الأمور بمسمياتها والرد بوضوح على كل إساءة.

ومع ذلك فرب ضارة نافعة، فجميع المؤامرات ومحاولات بث السموم داخل المجتمع السعودي قد جعلت الدولة والمجتمع أكثر تماسكا وحرصا ومعرفة بتلك الخلايا النائمة والجماعات التي كانت تحاول تقويض الوطن من الداخل والخارج. ولعل الشيء المميز في هذا الدفاع عن أي إساءة تطال الوطن أنه يتم بشكل شعبي من خلال المواطنين في وسائل التواصل، والذي يؤكد مدى اعتزازهم بوطنهم وقادتهم.

وأخيرا في معركة النيل من الوطن لن يكون هناك من يجامل على حساب وطنه فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار.