في وقت اعتمدت فيه بعض البلدان الحسابات الفلكية لتحديد موعد دخول شهر رمضان، استذكر كثيرون السنوات الخالية التي تعود إلى ما نحو 5 عقود، حين كانت صيحات «النجاب» تبشر بالشهر الفضيل. والنجاب يعد بمثابة ساعي البريد أو حامل الخبر الذي يطوف به على الناس ليبلغهم بأمر ما مستخدما صوته وصياحه كوسيلة للتبليغ. ويستذكر العم محسن مصعود (أبو يحيى) وهو في الخامسة والثمانين من عمره، ويسكن في قرية قرار في محافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان أنه وعائلته وقريته كانوا يصومون على صوت النجاب، ويقول «كان خبر حلول الشهر يأتي أولاً إلى مركز الإمارة، ويرسل الأمير (المحافظ) حاليًا النجاب، ويذهب إلى مشايخ القبائل يبلغهم بحلول الشهر الفضيل، ليقوم الشيخ بإبلاغ النجاب الخاص بالقرى ليصيح ويبشر أفراد قبيلته».

ويضيف «يقضي «النجاب» ليله مشيًا على الأقدام، متنقلا من قرية إلى أخرى، حتى ينتشر الخبر بين الجميع». ويكمل «كان النجاب يبدأ مهامه بعدما يستلم الإخبارية من الشيخ، حيث يذهب إلى مكان مرتفع في القرية، ويبدأ في الصياح قائلاً «يا خلق الله بكرة رمضان»، ويكررها مرارا حتى يسمع منه سكان القرية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى قرية أخرى، ويبقى متنقلا من قرية إلى أخرى حتى يعلم الجميع».

ويتابع «بنفس الطريقة يتم الإبلاغ عن العيد». ويختم «في إحدى السنوات لم يبلغنا النجابون بالعيد إلا في منتصف النهار، وعندها أفطرنا منتصف النهار، وبدأنا بالاحتفال بالعيد».

بشرى النجاب

كانت أحوال الأسر تختلف من أسرة إلى أخرى في ذلك الوقت، لكن معظمهم كانوا متماثلين في المستوى المعيشي تقريبا، وكثير منهم وعلى الأخص في القرى الصغيرة كانوا يسكنون العشش، ويعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية الماشية. وكان الأهالي يستعدون في الماضي لاستقبال الشهر الفضيل، كما كانوا يحتفلون كذلك بقدوم شهر شعبان، لأنهم يبدأون من خلاله ترقب قدوم الشهر الفضيل، وكانوا يحرصون خلاله على تزيين العشش، والواجهات الأرضية «الطراحة» و«العقاب»، وتلييسها بالطين وروث البقر، وتزيين الجدران بالجص الأبيض، وتعليق الأواني النحاسية والزنابيل، والمصاريف المصنعة من سعف النخيل والطفي، وتحبيل القُعد «جمع قعادة»، وهي السرير الخشبي، وشراء الأواني المنزلية من الفخار والحجارة والحياسي والمطحنة والبلبلة والجرة، وغيرها من الأمور.

من العشش إلى الجوال

عايش محسن مصعود ذلك الزمن البعيد الذي يصفه بأنه «الزمن الجميل»، ويقول «صمنا على أصوات «النجاب»، وعايشت بيوت العشش والفوانيس قبل الكهرباء، وكنت شاهدا على دخول أول راديو إلى قريتنا، ثم بدأنا لاحقا نصوم على أصوات مذيعي الراديو ومن ثم التلفزيون، ثم رسائل الجوال بالطريقة الحديثة والتقدم ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها». ويضيف «لم نكن نعرف الكهرباء وقتئذ، كنا نصوم بلا وسائل تكييف في أجواء الحارة، ونشرب الماء من الآبار والجرار، وكانت أكلاتنا الرمضانية تتكون من مواد بسيطة وشحيحة لا تتجاوز الخمير والذرة والدخن المصنوع بأيدينا والمنتج من مزارعنا، ومع ذلك كان لرمضان نكهة خاصة معجونة بالبساطة».

أبو عين ساحرة

يستذكر العم مصعود قصة دخول أول راديو إلى قريتهم «أذكر جيدًا أن أول من أدخل الراديو إلى قريتنا قرار كان المرحوم قاسم أمين، وكان ذلك في السبعينات حيث كنا نسمي الراديو حينئذ «أبو عين ساحرة» وكان خشبيًا ويعمل على البطارية، وقد مثّل بالنسبة لنا أول وسيلة ترفيه وتواصل مع الآخرين، وكان جميع أفراد القرية يجتمعون كل ليلة على هذا الراديو، وكنا نسمع ما يبث فيه من أخبار وأغانٍ طربية ما زالت عالقة في ذاكرتي إلى اليوم، وكنا نسمع أصوات أم كلثوم ومطلق الذيابي وطارق عبدالحكيم وعلى الأخص أغنيته (أبكي على ما جرالي يا هلي) ولا نغادر المكان إلا بعد انتهاء برامج الراديو بعيد منتصف الليل، وكنت أحفظ كل ما سمعته لأنقله في اليوم التالي إلى أصدقائي وبعض المقربين».

نجم الصبح

يقول العم مصعود «كنا نحدد وقت السحور عن طريق النجوم، حيث كنا نستدل على السحور عن طريق «نجم الصبح» هكذا كنا نسميه، وأما الإفطار فيكون بعد غروب الشمس، وأما اليوم ولله الحمد فقد تبدل الحال للأفضل، فنحن ولله الحمد نعيش في رفاهية ورخاء وأمن وأمان، وبات كل شيء متوفرا بأنواع وأشكال، وصرت أصوم على أخبار المذيعين بالتلفزيون ورسائل الجوال، بعدما كنت أصوم على أصوات النجابين».

النجاب

ـ شخص يتولى الإبلاغ بدخول رمضان والعيد

ـ يستخدم صوته لإعلان دخول الشهر الفضيل

ـ يتنقل بين القرى لإبلاغها بدخول رمضان والعيد

ـ يرتقي إلى مكان عال ويصيح من عليه مرات كثيرة

ـ يتأكد من سماع كثيرين لصوته قبل أن ينتقل لقرية أخرى

مظاهر قديمة لاستقبال رمضان في القرى

تزيين العشش

طلاء الجدران

تلييس الأرضيات

تعليق الأواني النحاسية

طلاء ركب القعايد

تحبيل القعد

شراء الأواني الفخارية