لا زالت كلمة استخبارات ترتبط ارتباطا وثيقا بتلك المؤسسات التي تهتم بالدفاع عن الدول خارجيا وتمارس الأعمال الاستباقية والتجسسية لمنع المخاطر التي قد تهدد الأوطان. إلا أن هذا المصطلح وحديثا امتد ليشمل المؤسسات والشركات والتي بدأ البعض منها في إنشاء وحدة استخباراتية للتنبؤ بالمخاطر التي تواجه المؤسسة وتهدد مستقبل العاملين فيها، لاسيما والعالم أصبح يضج بالكثير من المعلومات المتناقضة والمضللة.

وكانت البداية الفعلية لهذه الفكرة قبل تفشي جائحة كورونا عندما بدا بعض قادة الشركات الأذكياء باستخدام القدرات الاستخباراتية بغرض التنبؤ بمجريات الأحداث وتخفيف حدة المخاطر، والتوصل إلى عملية اتخاذ قرارات سليمة ومناسبة.

ففي يناير 2020 بدأ فريق صغير في شركة (فيسيرف) العالمية وهي شركة متخصصة في تكنولوجيا الخدمات المالية، برصد المؤشرات التحذيرية المبكرة لتفشي مرض جديد في ووهان بالصين، وعمل الفريق على استقصاء المصادر وطبق أفضل الوسائل التحليلية بناء على مؤشرات مبكرة ومقارنتها بالتفشيات لأوبئة أخرى في تواريخ سابقة.

وكشف التحليل العلمي عن احتمالية وجود مرض خطير سيؤثر على الاقتصاد العالمي وسيسبب حالة من الركود، وأوصى بعدم سفر المسؤولين التنفيذيين حتى قبل اكتشاف المرض بالولايات المتحدة وقبل أن تتنبه لذلك معظم الشركات والحكومات.

وأدت هذه الإجراءات المبكرة إلى لجوء الشركة إلى الاستثمار في طرق لحماية الموظفين وتخفيف حدة المخاطر وتم الانتقال إلى العمل عن بعد مبكرا. ولعل ما كان يميز شركة فيسيرف عن الشركات الأخرى هو وجود الفريق الاستخباراتي المؤهل لتقييم المخاطر واطلاع القيادة العليا على تلك المخاطر وما قد يترتب عليها من آثار ومضار. ولا يقصد بالعمل الاستخباراتي بالشركات تجاوز المبادئ الأخلاقية من خلال التجسس على الموظفين ومراقبتهم.

ومعظم الشركات العالمية حاليا تستثمر في مجال الأمن والاستخبارات لأن ذلك يساعدها في تعزيز وتحسين النتائج النهائية من خلال تحقيق الأرباح والرضا الوظيفي، وأصبحت هذه الوظائف منتشرة من خلال أن كل شركة لديها قدرات استخباراتية أو تعمل على إنشاء وحدة جديدة.

وفي مداخلة لليز مالوني مديرة برنامج مايكروسوفت للاستخبارات العالمية تقول (إن الأعمال الاستخباراتية هي الخطوة الأولى نحو فهم المخاطر المستقبلية، وتتمثل مهمة الفريق الاستخباراتي في تمكين صناع القرار من التخفيف من حدة تلك المخاطر والاستجابة للمخاطر الأخرى التي لا يمكن تجنبها). إن معظم الوحدات التي تم استحداثها قريبا كان بناء على تهديد أو أزمة.

وحيث إن جميع المؤسسات الحكومية والخاصة داخل الوطن كانت ولا زالت تواجه مخاطر تشغيلية ومالية وقانونية وتقنية وبيئية وبشرية، فربما حان الوقت لاستحداث وحدات تحليل المخاطر والتي تعنى بتحديد المخاطر المحتملة وربطها بإطار زمني محدد مع تحديد درجة العواقب المحتملة لهذه المخاطر من طفيف إلى كارثي.

ومن أمثلة ذلك الدعايات السلبية التي تعد العدو الأول للشركات والمؤسسات والتي يتم التعامل معها إما بطرق وقائية أو تصحيحية للأخطاء الموجودة أو توجيهية من خلال التدريب والتأهيل للموظفين أو استكشافية من خلال الرصد المبكر.