عززت الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي يشهدها لبنان، والعقوبات الاقتصادية التي طالت إيران لفترة، من لجوء حزب الله إلى توسيع نشاطاته في تجارة المخدرات وغيرها لتوفير تمويل نشاطاته، متخذا عددا من البلدان ميدانا سهلا لهذا النشاط، فبعد أن كانت بعض دول أمريكا اللاتينية هي ميدانه الأفضل لممارسة تلك النشاطات، وسع الأمر وصار يعمل في دول لا تكاد تكون تحت النظر مثل كولومبيا والبيرو وغيرهما.

ويمكن أن نفهم أن الشحنات التي نجحت المملكة في الكشف عنها والتي استخدمت الفواكه لتمرير الحبوب المخدرة إلى الداخل السعودي جاءت في إطار الحرب التي تمارسها إيران عبر أدواتها وأذرعها على المملكة، وفي إطار الحصول كذلك على موارد مالية عبر استهداف الشباب السعودي، ولعل البحث عن موارد ومصادر لتمويل أنشطة الحزب هو ما دفعه لاستخدام شحنات الفحم التي تعمل بعض شركاته (التي تأتي تحت إطار أسماء أفراد) لتمرير المخدرات والمتفجرات عبر الدول مستفيدا من أن رائحة الفحم تصعّب على الكلاب والأجهزة الأخرى الكشف عن وجود مخدرات عبر الشحنات، كما أنه يستغل قدرته على التزوير وزرعه لعملاء في أماكن عدة في تجنب تفتيش الحاويات التي ينقل فيها الفحم ويمرر بداخلها مواده الخطرة.

وفي حین كانت فنزویلا و«منطقة الحدود الثلاثیة»، التي تضم الأرجنتین وباراغواي والبرازیل، النقطة الرئیسة لعمليات الحزب في أمریكا اللاتینية إلا أن الأحداث الأخیرة تظهر أنه نشط خلال السنوات الأخيرة في البلدان الأقل شھرة، ليعمل انطلاقا منها في النصف الغربي من الكرة الأرضیة، ومنها كولومبيا.

نشاط في كولومبيا

ّ أنشأ «حزب الله» بنیة تحتیة موسعة على مستوى العالم تمكنه من تعزیز استعداده للتخطیط لھجمات وتنفیذھا في بلدان مختلفة، وللحصول أيضا على تمويل وتدفقات مالية كبيرة، وهو يؤدي أعماله بسرية مستخدما غطاء تجاريا، متعاونا مع ميليشيات إيرانية أخرى لإثارة البلابل في العالم، وقد نشرت تقارير صحفية أن «فیلق القدس» و«حزب الله» كانا وراء مخطط اغتیال واستھداف أمریكیین وإسرائیلیین في كولومبیا، فبعد مقتل قاسم سلیماني، أقسم كل من «حزب الله» وإیران على الانتقام ووجھا تھدیداتھما تجاه الولایات المتحدة وإسرائیل.

وكان التحالف الإیدیولوجي الذي یتشاركه «حزب الله» مع إیران وراء العدید من الأنشطة الإرھابیة في الخارج، حيث نفذ الحزب ھجمات إرھابیة في أماكن كثيرة من العالم بناء على أوامر من طهران.

التزوير

وجه حزب الله عددا من عناصره إلى أمريكا اللاتينية وزرعهم هناك ليستفيد من الفساد وتواضع القبضة الأمنية في تلك الدول التي تنشط فيها على وجه الخصوص تجارة المخدرات، ولاستخدامها كواجهات لنشاطه في غسيل الأموال وتزويرها.

ولحزب الله تاریخ طویل في إصدار المستندات المزورة والحصول على جوازات سفر شرعیة لإدراجھا في وثائق زائفة لصالح عملائه، وهو ما فعله في كولومبيا حيث استخدم عمیله سلمان رؤوف سلمان (المتورط في تفجير في بوينس أيرس الأرجنتينية) هوية مزورة لمواطن كولومبي يدعى سامويل سلمان الرضا للعمل في كولومبيا بشكل مریح.

على مدى 24 عاما استفاد سلمان من مزایا الجنسیة الكولومبیة، وصدرت له خلال تلك السنوات جوازات سفر إلى بنما وفنزویلا والبرازیل وباراغواي وبيرو وإيطاليا وفرنسا وأمريكا.

وفي ربیع 2021، كشفت صحیفة كولومبیة أن تحقیقا استمر 10 سنوات كشف أن أعضاء من «حزب الله» یقیمون «بشكل قانوني» في كولومبیا ویحملون جنسیة «أصلية»، وأن شبكة من أمناء سر البلديات جمعت أكثر من 8 ملیارات دولار لتجھیز وثائق من أجل منح أفراد شھادات الجنسیة الكولومبیة بشكل احتیالي من خلال خدمة «تسجیل الولادة في غیر أوانھا»، وأن أكثر من 70 ألف سجل وطني مزور قدمت لمواطنین من فنزویلا وكوبا والصین ولیتوانیا وسوریة وإیران ولبنان.

أعمال تجارية

استخدم عناصر حزب الله ممن حصلوا بشكل احتیالي على الجنسیة الكولومبیة الوثائق الرسمية التي حصلوا عليها لإنشاء شركات، ما منحهم حماية غير محددة، ومكنتهم شركاتهم من استخدامها كغطاء تجاري يجمعون عبره الأموال للحزب، ويوزعون الدولارات المزوة وينفذون من خلاله عملياتهم الإرهابية.

فمثلا يدير عامر محمد عقيل الذي يقود عمليات الحزب في كولومبيا صادرات الفحم منها إلى لبنان (تؤكد تقارير أن بعض الشحنات كانت تحمل معها الكوكايين، خصوصا أن بعضها كانت تتم بشأنه اتصالات لازمة لتجنب تفتيشه حسب ما كشف العميل المحسوب على حركة أمل اللبنانية حسن محسن منصور ـ زوج حفيدة ئيس حركة أمل والبرلمان اللبناني نبيه بري ـ الذي قبض عليه في فرنسا في إطار مشاركته بعملية الأرز الإرهابية)، و80 % من عائداتها حسب تقرير كولومبي تذهب لتمويل حزب الله، فيما تستثمر الـ20 % الباقية في عمليات تجارية في كولومبيا، على الأخص فيما يتعلق بغسيل الأموال.

الفحم للتمويه

جمعت الكارتلات الكولومبیة الكوكایین مع الفحم لكي تنجح في الإفلات من الكلاب القادرة على اكتشاف المخدرات والاختبارات الكیمیائیة منذ عام 1999 على الأقل.

وتستخدم الكارتلات الكوكايين الأسود، وهي مادة صنعھا علماء الكیمیاء في كارتل كولومبي على شكل طوب أسود مموه ليبدو مثل الفحم من أجل تسھیل تھریب الكوكایین على نطاق دولي، كما استخدمت شحنات الفحم لتهريب الماریجوانا والمیثامفیتامین والكبتاجون.

وقاد تحقيق كولومبي إلى تورط أقرباء عامر عقیل في تجارة المخدرات، ففي عام 2013 عرف عن عامر تورطه في نقل 500 كجم من الكوكايين المخبأ في صناديق أناناس بقيمة 15 مليون دولار لكن السلفادور نجحت في إيقاف الشحنة التي قدمت عبر بنما.

ولا يستبعد خبراء أنه بالنظر إلى الأزمة الاقتصادیة المستمرة والعمیقة التي تعصف بلبنان، لا یمكن أیضا استبعاد احتمال أن یكون «حزب الله» قد استغل تجارة الفحم لتھریب العملة الأمریكیة إلى لبنان.

ویمكن لرائحة الفحم أن تطغى على رائحة المخدرات، لذا يسهل تمرير المخدرات وحتى المتفجرات والأموال عبرها، مما یجعل من الممكن أیضا استخدام هذه الوسیلة التجاریة لتمریر سلع أخرى یسھل على الكلاب المدربة اكتشافھا، مثل الأموال أو المتفجرات.

-حزب الله يستخدم شحنات الفحم لتهريب المخدرات والمتفجرات

-ينشط بشكل مكثف في دول أمريكا اللاتينية

-يزرع عناصره في تلك الدول ويستفيد من وثائق مزورة

-يتعامل مع أجهزة تسهل مرور شحناته دون تفتيش

-يصعب الكشف عن المخدرات المخبأة بالفحم بسبب طغيان رائحته