تجد حرجاً (غير مبرر) عند كثيرين من استخدام كلمة (قانون) في السعودية، وذلك ربما عائد لحقبة مضت وانتهت، ويكفي إطلاع سريع على البحث الموجود بمجلة القضائية العدد الخامس لعام 1434هـ للمحاضر آنذاك في قسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء بالرياض الشيخ/‏ بشر بن عمر المفدى بعنوان «موقف الشريعة الإسلامية من كلمة القانون»، وقد أشار إلى أنه «قد عُرِّف القانون بأنه: أمر كلي منطبق على جميع جزئياته التي يتعرف أحكامها منه، وكذلك عرف بأنه: مقياس كل شيء، وأيضاً: الأصل، وقد استخدمها بعض علماء السلف في كتبهم بالمعاني السابقة، وبحسب علمي فإن أقدم كتاب وجدته استعمل كلمة القانون هو «المستصفى» الذي ألفه حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، الذي توفي في سنة (505) للهجرة، حيث ذكر في بداية الكتاب لما تحدث عن دعامة الحد وأنه يشتمل على فنين: «فن يجري مجرى القوانين، وفن يجري مجرى الامتحانات لتلك القوانين»، ثم تحدث عن الفن الأول وذكر فيه ستة قوانين. وقد استعمل هذه الكلمة غيره من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية والنووي وابن حجر، ومما سبق يعرف أنه لا مانع من استخدام كلمة القانون إذا أريد بها المعنى الذي سبق ذكره لكونه معنى صحيحاً سليماً لا يمكن تحريمه إلا بدليل» انتهى، ثم شعرت بالفخر والاعتزاز عندما اطلعت على الكتاب الضخم النفيس الصادر في 1432هـ بعنوان»القانون الدستوري السعودي/‏ دراسة قانونية تطبيقية«لثلاثة من كبار الأكاديميين، اثنان منهم يعملون بأعلى أجهزة الدولة.

كل هذه المقدمة لأشير إلى أن ما قامت به الدولة من تصحيح»قانوني«يخص الحياة في الفضاء العام ويخص الأسرة في جميع أشكالها (أب، أم، زوج، زوجه، ابن، ابنة، رجل راشد، امرأة راشدة) له أثره الأخلاقي القويم والعميق في ترسيخ بناء الأسرة السعودية التي هي نواة الدولة على مرتكزات حقيقية وطبيعية، وليس مرتكزات صحوية مشوهة قائمة على (وساوس قهرية تجاه المرأة والرجل وضعتها الصحوة أخلاق اجتماعية)، حيث إن الحملات المعادية للدولة تتكئ في معظمها على (الرهان التربوي للصحوة طيلة عقود) داخل وجدان كثير ممن يسهل استغفالهم، لأن الصحوة قد أنشأت لها داخل الوجدان الشعبي مفاهيم أخلاقوية ليس لها علاقة بالأخلاق، فكل من يرى في قوانين الدولة تدميراً للأسرة فعليه مراجعة عقله وتنظيفه من أدران الصحوة التي رسخت بداخله هيكلاً عظمياً مشوهاً للأخلاق يخالف كل معاني (المروءة والنخوة والشهامة العربية)، فالأصل في العلاقات الإنسانية (البراءة الأصلية والعدالة)، بينما أخلاق الصحوة أن الأصل في العلاقات الإنسانية (الخيانة والخنا والخلاعة)، ولهذا فقد تحول بعض المجتمع إلى (معاق أخلاقياً) فإذا مرضت ابنة عمك أو خالك لا تستطيع سؤال زوجها عن صحتها أو زيارتها، حتى ولو كانت ابنة عم تجاوزت الخمسين، تقول إحدى (الصحويات المعاقة أخلاقياً) لزوجة كاتب المقال: كيف تكشفين وجهك وتسلمين على خال زوجك، فترد الزوجة: ولكنه أيضاً قريب والدتي والسلام ليس فيه خلوة ولا يتعدى الدقيقتين، فترد (الصحوية المعاقة أخلاقياً): ولو يا أختي لأنه لو مات زوجك فإنه يجوز لك أن تتزوجي خاله، ثم تستأذن من الزوجة بعد أن وعظتها ونصحتها وأبرأت ذمتها لأن سائقها (الأجنبي) قد وصل وستعود معه (لوحدها) إلى منزلها لمسافة تتجاوز الثلث ساعة؟!!

لقد كانت أخلاق الصحوة لا ترى في ضرب الزوجة جريمة (قانونية) بل تراه (حقاً للزوج) وترجو منه ألا يتعداه إلى سفك دم الزوجة أو كسر ضلعها، فإن حصل منه بعض الصفع والركل (البسيط!!)، فالحل الصحوي أن تصبر الزوجة وتحتسب عند الله كل ما وقع عليها من تعد، مع تذكيرها بأن الزوج لم يتعدَ عليها إلا لسبب أو محظور يبرر ضربها و(قتلها) لو أراد، كانت هذه هي أخلاق الصحوة وما زالت ذاكرة» يوتيوب «تشهد على تلك اللحى بذلك، بل وصل الأمر إلى قضايا تمس صميم بناء الأسرة إذ جرى عندهم اعتبار (زنا المحارم أهون من ترك صلاة الفجر) راجع جريدة»عكاظ» عدد 17 ديسمبر 2016م، ولهذا كانت الأسرة مجالاً لفوضى الصحوة وتلاعبها بالأخلاق وصولاً إلى تحذير الفتاة من لبس البنطال أمام والدها وإخوتها إلى درجة خلقت جيلا تجد فيه من يتحرج من احتضان أمه أو أخته بعد السفر، بل هناك من لا يحتضن (زوجته أو ابنته) أمام أطفاله، لأن الحضن ليس له إلا معنى واحد في عين الصحوة وهو (النكاح) إنه الوسواس القهري لمن ينكرون ذلك كمرض نفسي/‏ صحوي عممته الصحوة على من استطاعت من بيوت وعائلات.

كل هذه الأمثلة أعلاه لعلنا ندرك أن ما قامت به الدولة من إصلاحات (قانونية) (الآداب العامة، نظام الأسرة، الأحوال الشخصية، الحماية من الإيذاء... الخ) يهدف إلى توسيع دائرة الحرية في الفضاء العام مع حماية جميع أفراد المجتمع (رجل، امرأة، طفل) من التغول باسم الدين أو باسم القبيلة أو باسم كل ما هو محترم ومقدر في الدولة، فلا حجة باسم الدين ولا باسم القبيلة لمن يعتدي على امرأة أو طفل، فالدين والقبيلة بريئان من الظلم والمرضى النفسيين، وأنظمة الدولة في هذا المجال ليست سوى تنزيه للدين والقبيلة من معاتيه ومجاذيب ومرضى نفسيين ينتهكون الحقوق والحرمات باسم الدين والقبيلة، ثم يتلمظون بعد ذلك حسرة على التضييق (القانوني) الذي يحول بينهم وبين (نكاح الصغيرات).