حدثان مهمان تصدرا وسائل الإعلام الرسمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وأحاديث المجتمع خلال الأسابيع القليلة الماضية، أحدهما فوز المملكة العربية السعودية بالمرتبة الثانية عالميًا في معرض آيسف 2022 العلمي الدولي، والحدث الآخر هو تجاوزات بعض مشاهير (السوشال ميديا) بتصرفات فقزت فوق حواجز المقبول شرعًا وعرفًا وأدبًا، وشتان ما بين صدى الحدثين الذي ترتفع به الرؤوس في الأول، ويندى له الجبين في الثاني..!

وللأسف يعيش مشاهير منصات الإعلام الجديد في سباق دائم ومحموم للاستحواذ على نسب مشاهدات عالية يستخدمونها كمغناطيس يجذب صناع المحتوى الإعلاني لتسويق السلع من أجل الكسب المادي فقط بغض النظر عن المحتوى القيمي والوطني والأخلاقي الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.. وهنا يطرح سؤال مهم نفسه، فبين تقديم الوهم لشبابنا، والتغرير بهم، لترك وظائفهم من أجل ثروات خرافية، وبين الاستعراض بالأجساد ونشر إيحاءات غير مقبولة على الشواطئ والمنتجعات الخارجية، وبين تشويه سمعة المجتمع السعودي وتقديره للمرأة من باب البر.. من نلوم ؟ المشهور أم المعلن، أم المتابعين الذين رفعوا من قيمة المشهور، أم من؟

في رأيي المتواضع الذي يحتمل الصواب والخطأ.. لا يمكن أن نحمل المشهور وحده مسؤولية الخطأ ما لم يكن يعلن لجهة معينة.. فسناب أو تويتر أو أي منصة يظهر من خلالها تكفل له حرية صناعة محتواه واختيار سلوكه وثيابه وآلية ظهوره ما دام يمثل نفسه – نفسه فقط – ولكن محاسبته تصبح واجبة إن جاهر بمعصية شرعية أو قانونية يعاقب عليها القانون داخل الدولة المنتمي إليها أو التي ارتكب تجاوزاته داخل حدودها، أو إن زج باسم الوطن في تصرف أهوج لا يمثل رقي ورفعة اسم السعودية، أو إن قام بتصرف يخالف توجهات رؤية الوطن بكل تفاصيلها والتي من أهمها احترام البشر بشكل عام والمرأة بشكل خاص وتكريمها وتمكينها بما يليق بها كنصف المجتمع الذي لن يكتمل نماؤه إلا بتفعيل دورها من خلال التصدي لكل ما قد يهينها باستغلال الحاجة أو الفقر.

وهذا يأخذنا إلى المُعلن الذي هو غالبًا متوارٍ خلف كواليس الرحلة السياحية التي هي في ظاهرها «رحلة أصحاب» وفي باطنها ترويج سياحي مدفوع الثمن من قبل المعلن الذي استعان بهؤلاء المشاهير، في اعتقادي أن المسؤولية والمساءلة الأكبر تقع على عاتق المُعلن لأن غالبية المشاهير – وليس كلهم – أصحاب شهرة اليوم والليلة السريعة القائمة على أساس فعل غريب أو عبارة متداولة نقلتهم من الظل المتواري إلى بؤرة ضوء الصدارة دون أدنى معرفة بأبجديات الظهور في منصات الإعلام وضوابطها، لذا فالمسؤولية الأولى تقع عليهم كجهات مرخص لها من رسميا لمزاولة نشاط معين يخضع لأنظمة وقوانين أتمنى أن يكون من ضمنها مستقبلا إلزام المشهور بأطر وخطوط حمراء يجب ألا يتجاوزها.. وإلزام المشهور بعرض المحتوى على الجهة المعلنة قبل نشره..

فمثلا في الرحلة الأخيرة التي ثارت على أثرها زوابع الانتقاد.. لم نر مطاعم أو رحلات صيد أو فعاليات تجذب السائح، ما تم عرضه هو أحاديث شخصية بين صديقتين ورقص على شيلات وسباحة واستعراض أزياء فقط.. فهل الخطأ هنا خطأ المعلن الذي لم يسوق لمنتجه بالطريقة الصحيحة أم أنه خطأ المعلنين الذين أطلق لهم العنان والحرية ليسوقوا للرحلة حسب مفهومهم هم دون توجيه يخدم المنتج والمتابع..؟

ولو وسعنا دائرة المسؤولية فلا بد أن نتكلم عن القنوات الفضائية، وبعض الجهات المهمة التي للأسف تطبل وتلمع وتصدر مشاهير الثقافة والمحتوى المتدني على حساب من يستحق أن يظهر على سطح الإعلام والشهرة، وهذا يأخذنا للمتابع الذي يتحمل المسؤولية الأقل في منظومة رفع شأن من لا يستحق، وعندما نقول إنه يتحمل المسؤولية الأدنى فذلك لأن متابعته لا تعني إعجابه أو موافقته على المحتوى، إنما هي من باب الانتقاد، أو ربما الفضول للاطلاع أكثر على من لمعه أصحاب اقتناص الفرص المادية على حساب المحتوى القيم.. المتابع نوعًا ما بريء مقارنة بغيره ممن سبق لومهم، فهو ليس دائمًا من يصنع من الحمقى مشاهير..

الخلاصة.. أن المسؤولية مشتركة.. لوقف الطيش غير المسؤول الذي يخدش شفافية جهود جبارة يقوم بها الوطن ليرفع اسمه عاليًا واسم شعب ينتمي لدولة فريدة بتميزها.. وهذا لا يعني أننا نتدخل بالحريات الشخصية أو أن نفرض الأخلاق بالإجبار.. فمن لم يستح فليصنع ما يشاء.. هو حر ما دام مستترًا بفعله لا يؤثر في سمعة وطنه الذي أكرمه.. ولا على همة وحماس غيره ببيعهم وهم الثراء السريع والشهرة الزائفة..

الوطن يحتاج للشباب نساءً ورجالًا، بعقليات متفتحة.. جريئة باتزان دون تطرف بالحرية.. وإلى عقول مبتكرة.. وجهود جبارة ونشاط إيجابي وعزم قوي.. لتحقيق طموح وطن عميق بقيمه.. وأصالته.. ورؤيته.. ومكانته.