تتمتع المملكة ببنية تحتية متطورة لتقنية المعلومات والاتصالات. فقد كانت الشركات السعودية المشغلة لشبكات الاتصالات في طليعة الشركات العالمية التي عملت على نشر تقنية الجيل الخامس، حيث تغطي شبكاتها اليوم معظم مناطق المملكة وفي الواقع، صُنفت المملكة العربية السعودية في المركز الثاني عالمياً بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية لعام 2021 الصادر من المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية. ولا شك أن مثل هذه النجاحات يتم تحفيزها بسياسات وقرارات تنفيذية صحيحة لعل أبرز أمثلتها الدور المحوري الذي تقوم به هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات التي أسهمت في تحقيق المملكة العام الماضي للمركز الأول في النمو الرقمي بين دول مجموعة العشرين، وبأعلى مستويات مؤشر النضج التنظيمي الرقمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب تصنيف الاتحاد الدولي للاتصالات، وكانت الأولى عالميًا في تأمين خدمة أسماء النطاقات وحققت %98 نسبة انتشار استخدام الإنترنت ونسبة أكبر تغطية لشبكة إنترنت الأشياء في المنطقة بتقنية NB-IoT. وبفضل جهود وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة بالتماشي مع رؤية المملكة 2030 والتوجيهات الرشيدة لقيادة المملكة، أصبحت المملكة نموذجاً رائداً في تنظيم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
مع توقعات تسارع الطلب على الخدمات الرقمية خلال السنوات المقبلة، يرتفع سقف التحدي أمام المملكة لمواصلة البناء على المكاسب التي تم تحقيقها وترسيخ مكانتها في ريادة التحول الرقمي عالمياً.
فتزويد المدن العملاقة التي تخطط المملكة لإنشائها بقدرات اتصالات رقمية شاملة بالكامل والاستفادة من التقنيات الحديثة لدفع عجلة تطوير باقي القطاعات والصناعات يمر عبر مثابرة العمل على تعزيز الشبكة الوطنية وضمان تلبيتها للاحتياجات المستقبلية بغية إدارة الزيادة المتوقعة في مستويات الطلب على الخدمات الرقمية سعياً لاستشراف مزيد من النجاحات في العصر الرقمي الذي حددت ملامحه رؤية السعودية 2030.
وبحسب نتائج دراسة (NetX2025) صادرة عن «هواوي»، من المهم للشبكات السعودية أن تتابع عملها الجاد للتكيف مع عالم يقاس فيه النطاق الترددي بوحدة «جيجابت» بالنسبة لكل من المؤسسات والمستهلكين.
ويدعو إطار العمل مزودي الخدمة للتكيف مع عملية أتمتة ضخمة ومدفوعة بالذكاء الاصطناعي أثناء تلبية احتياجات العملاء في مجال البيئات متعددة السحابة. وتأتي مسألة تطوير تجربة العملاء وتطبيق نماذج تشغيلية تتسم بكفاءة استهلاك الطاقة على رأس أهداف الشركات المشغلة لشبكات الاتصالات.
ويستلزم هذا الأمر إحداث تحول على مستوى تركيز عمليات التخطيط، لتنتقل من كونها «عمليات تخطيط تتمحور حول حركة مرور البيانات» إلى «عمليات تخطيط تتمحور حول الخدمة».
وتتطلب مسألة ضمان قدرة شبكة الاتصالات على تلبية الاحتياجات المستقبلية توفير الحماية للبيانات التي تتدفق عبر الشبكة. ومن المهم ألا يتخلى شركاء بناء وتشغيل الشبكات عن أولوية التركيز على كافة أوجه وتفاصيل الأمن السيبراني في الوقت الذي يزداد فيه تدفق البيانات، سيما بعد تجربة كوفيد- 19 والاعتماد الكبير على الإنترنت في شتى مجالات الأعمال والحياة الاجتماعية. ويجب ألا نتناسى أن المكانة المتنامية التي تتمتع بها المملكة تتسبب في استقطاب اهتمام عصابات الاحتيال الإلكتروني العالمية. ولذلك، هناك حاجة مستمرة لتفعيل مزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتكاتف بين شركات التكنولوجيا والجهات الحكومية المعنية ومزودي الخدمة وخبراء القطاع من أجل تعزيز الاقتصاد الرقمي في المملكة وضمان أمنه.
بالتوازي مع أهمية شبكات الاتصالات ونشر التقنيات والبعد الأمني للمعلومات، تجسد مسألة رعاية المواهب في المملكة إحدى الأولويات الرئيسية الأخرى لدفع عجلة التحول الرقمي. وتواصل الجامعات المحلية تخريج متخصصي تقنية المعلومات والاتصالات الموهوبين الذين بذلوا جهوداً حثيثة لدعم مسار التقدم الاقتصادي في المملكة. لكن في ذات الوقت، تشهد مستويات الطلب على حلول تقنية المعلومات والاتصالات ارتفاعاً متسارع الوتيرة. ولذلك، يتحتم علينا أن نواصل الاستثمار في تطوير المواهب من أجل ضمان قدرة المؤسسات على الوصول إلى ما تحتاجه من موظفين مؤهلين بغية تحقيق أهداف التحول الرقمي الخاصة بها.
كذلك من المهم للغاية أن نشدد على أهمية تقنية المعلومات والاتصالات الصديقة للبيئة، بما ينسجم مع أهداف الاستدامة المحددة لخفض مستوى الانبعاثات إلى الصفر وتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2060. ويمكن لتسخير تقنيات رقمية مثل الذكاء الاصطناعي والسحابة والبيانات الضخمة أن يحدث تأثيراً تدريجياً على صعيد الحد من الانبعاثات الصادرة في جميع قطاعات المملكة.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ستساعد تقنية المعلومات والاتصالات على تقليص الانبعاثات الصناعية بمقدار 12.1 مليار طن حول العالم بحلول عام 2030. ويعتبر هذا الرقم أكبر بواقع 10 أضعاف من الانبعاثات الكربونية لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات بحد ذاته.
وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد التقنيات الرقمية أيضاً في الحد من انبعاثات الكربون العالمية بنسبة تصل حتى 15 %- أو ثلث هدف تخفيض الانبعاثات بنسبة 50 % بحلول عام 2030.
فوائد نجاح المملكة العربية السعودية في تحقيق التحول الرقمي لا تقتصر على تعزيز مكانتها فحسب، بل هو هدف يتطلع له جمهور المنطقة بأسرها نظراً لدور ها الحيوي على مستوى دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دول المنطقة والعالم العربي عموماً.
* الرئيس التنفيذي لشركة «هواوي تك إنفستمنت العربية السعودية المحدودة»