أسباب إصابتك به تعود لأمرين أحدهما أو كلاهما تحققا، وأرجو من عزيزي القارئ النظر للتحليل بموضوعية والبعد عن وجهة نظرك الحالية:
الجانب الأول ينحصر فيما لم تستطع الوصول إليه، ووجدته عند هذا الفرد الذي أنت مهووس به أو «تعشقه» في الرواية المتداولة عرفًا، مثلًا مكانة اجتماعية مرموقة، مسمى مهني ترغب أن تكسبه في المستقبل القريب، مستوى مالي بدرجة معينة أو بشكل محدد، جسم صحي وشكل ملفت، وغيرها من الميزات والصفات لهذا الشخص.
سيبدأ معك الأمر بالفضول عن كيفية تحقيق هذا الشخص ما لم تستطع حتى اللحظة تحقيقه -أي أنه ممكن تحقيقه مستقبلًا، وبعد الفضول سيتطور الأمر إلى الإعجاب بدعم من الصفات الجميلة الأخرى لهذا الشخص، ومن ثم سيتحول إلى هوس برغبة القرب منه والبقاء معه بمساعدة عنصر التجاهل الذي سيمارسه عليك، لأنك بكل بساطة أقل منه صفات وأبسط منه معطيات، وكلما كانت هناك صعوبة في الحصول على أمر ما، تعاظمت قيمته لديك، ويصبح الأمر إما تحديًا للكسب، أو قناعة بندرته، وبالتالي اقتناؤه أمر يجب السعي وراءه.
حاول أن تختبر هذا التحليل على تجاربك الشخصية السابقة، وستجدها صحيحة، وإثبات ذلك هو امتعاضك الحالي مما كان يدور في خلجك أمام شخص يعتبر عاديًا جدًا.
هل تعلم لماذا تغير الشعور؟ لأنك امتلكت هذه الصفات حاليًا، وأقصد الصفات التي كنت ترغب بها، فستجد أنك أحببت الغني عندما كنت فقيرًا، أما الآن أنت غني مثله وبالتالي لا شيء يدعو للانبهار، أيضا أحببت من كان جميل المظهر، أما الآن تجده أقل من العادي، لأنك مع التجارب تحاول رفع استحقاقك، وبالتالي تعلمت كيف تهتم بنفسك وجمالك، وأصبحت -بدرجة- أجمل من ذلك الشخص!، وغيرها الكثير من الصفات. فقط حدد ما هي أهم صفة كان يتميز بها الطرف الآخر سابقًا، وابحث عنها لديك، ستجدها أفضل حالًا منه، وبالتالي شفيت من الهوس به لانتفاء العلة.
الجانب الآخر ينحصر بمدى تقدير الآخر لك، وإعطائك ما ينقصك من أفعال تحتاجها.
نحن كأفراد نعمل لدافع واحد فقط، وهو الشعور بالتقدير، إما التقدير الذاتي أو تقدير الآخر الذي يتشكل بمستوى مهني أو مالي أو اجتماعي، أينما حصلت على هذا التقدير ستشعر بالسعادة لأنها غاية عيشك.
ومتى يحدث الهوس؟ -أو العشق-، أثناء وجود تقدير لذاتك الخفية، جانب مظلم من آلام وأوجاع واهتمامات وغايات وأفعال، من كسب أمانك وأفضت له بما تخفيه عن العامة، وأعجبه ما رأى وقدره وقيمه، ستعلم مدى ندرة هذا الأمر بالحدوث، وسيكون هذا الآخر في عينك كما لو أنه خُلق لأجلك، يعززها بأفعاله التي تحتاجها بالوقت الحالي، كالاستماع لك أو تقديم التعاطف، أو أعطائك الشعور بأنه مبهور بك، تجاربك السابقة التي بدأت من حاجتك في هذا الجانب، انتهت بتشبعك من هذا الشعور وبالتالي انتفت العلة لاستمرار شعورك بالهوس تجاهه.
خلاصة.. الود الطبيعي كمشاعر، هو أن تسعد بحضور هذا الشخص ولا تكتئب بغيابه، بل تتمنى له حياة طيبة، ما دون ذلك ما هو إلا إشارات عن نقصنا واحتياجنا، لذا جميع العلاقات التي تكون بهذه الصورة تنتهي بالضرورة، وهو ما يسمى الفتور في العلاقة الزوجية، والتي يقتات عليها الأطباء والمعالجون، وما هي إلا دليل على أن العلاقة لم تكن طبيعية منذ البداية.