جدد اقتراب موسم الصيف والسياحة هواجس قاطني مدينة أبها الذين يعيشون -إضافة إلى زائري المدينة من السياح والمصطافين- ذكريات مكدرة مع الحزام الدائري للمدينة، والذي يختنق بمئات السيارات التي حولته إلى كابوس يؤلم خاصرة المدينة البهية، والذين يضطرون إلى عبوره للانطلاق منه نحو الاستمتاع بأجوائها العليلة ومتنزهاتها الخضراء، وجبالها الشامخة، ومدرجات مزارعها وبساتينها، حيث تصب فيه المركبات من كل حدب وصوب مكدرة صفو الضيوف والساكنين ومسببة نتيجة ضيق الحزام زحامًا شديدًا يؤخر الوصول إلى مواطن جمال أبها ومكامن كنوزها.

وتتكدس مئات السيارات على مدار الساعة تقريبًا على الأخص خلال الصيف على امتداد (12كم) حتى بات يحتاج إلى حزام رديف يخفف الاختناق المروري عليه والذي قاد في مرات كثيرة إلى ما يشبه توقف حركة السير تمامًا، حيث يستغرق قطع 3 أو 4 كلم منه خلال فترات الذروة أكثر من نصف ساعة من الانتظار في حركة سير بالغة البطء.

وفي كل موسم سياحي تطلق مبادرات لتخفيف الزحام وتسريع حركة السير على الحزام، فتلغى بعض الإشارات، ويمنع الانعطاف نحو بعض الداخل أو القدوم منها، وتمت الاستعانة بالأنفاق لجعل الحركة أكثر انسيابية، إلا أن هذه الحلول وعلى الرغم من فائدتها لم تستطع أن تنهي مشكلة الحزام بشكل نهائي وتام.

ومع التوجيهات الدائمة والإشراف المباشر والمتابعة الميدانية من أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال لعدد من المشاريع الكبيرة التي تهدف إلى تسهيل وانسيابية الحركة المرورية في أبها وفي مقدمتها مشروعا طريق بني مالك وطريق الأمير سلطان الذي يشق المدينة من جنوبها إلى شمالها لتخفيف الضغط على الحزام الدائري خاصة وقت الذروة، رأى مختصون أن هناك حلولا إضافية يمكنها أن تفيد على المستويين القريب والبعيد في التعامل مع الحزام.

أسس علمية هندسية

يؤكد وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الملك خالد، الدكتور سعيد بن ظافر القاضي لـ«الوطن» أن «طريق الملك عبدالعزيز (الحزام الدائري) يعد من الطرق الشريانية في مدينة أبها وتتفرع منه وجهات رئيسة بالمنطقة، وحالة الزحام الشديدة فيه خصوصًا في فترة الصيف، أصبحت مشكلة حقيقية من الضروري الوقوف على أسبابها وسرعة الوصول إلى حلول مستدامة مبنية على أسس علمية هندسية».

وأضاف «قد يكون من الصعب حل المشكلة من جذورها خصوصًا إذا ما أخذنا بالاعتبار الزيادة السكانية والأعداد المتزايدة من السواح من داخل المملكة وخارجها، إضافة إلى الطبيعة الجبلية لمدينة أبها وصعوبة التوسع العمراني من جهة تهامة تحديدًا، ولكن الحلول المبنية على أسس علمية كفيلة بتحقيق أفضل حلول ممكنة ضمن المحددات الموجودة على أرض الواقع. إن أي مشكلة ازدحام مروري على مستوى شبكة طرق (Network Level) بمدينة ما يتطلب دراسة مرورية مستفيضة مقدمة من مكاتب وشركات هندسية متخصصة في الهندسة المرورية تقوم بعمل دراسة للحركة المرورية لشبكة الطرق على مستوى المدينة وطرح الحلول المناسبة لتحسين انسيابية وسلامة الحركة المرورية مدعمةً بما يثبت نجاعة هذه الحلول عن طريق جمع بيانات كثافة الحركة المرورية على أرض الواقع وإدخالها ببرامج محاكاة توضح مدى مناسبة هذه الحلول المبتكرة من عدمها».

وتابع، مثل هذه الدراسات تتطلب تكاتف الجهات ذات العلاقة لإنجاح أي حزمة حلول مقترحة وتحقيق انسيابية الحركة مع عدم التفريط في المعيار الأهم وهو سلامة الإنسان. لذلك لا بد من تكامل العناصر الأربعة لسلامة الطرق (The 4 E’s of Traffic Safety) وهي تتلخص في:

1. التعليم (Education): التوعية والتدريب وتثقيف مستخدمي الطريق بالأنظمة والقوانين المتعلقة بالطرق عن طريق المدارس والجامعات وبتوجيه من المربين والمرشدين المتخصصين في مجالات التوعية.

2. الهندسة (Engineering): دور متخصصي تصميم الطرق والمرور والصيانة والعمليات والتخطيط في المساهمة في بناء وتشغيل وإدارة الطرق على النحو الأمثل ويمثلهم منسوبو الأمانات والبلديات ووزارة النقل.

3. السلطة التنفيذية (Enforcement): وهنا المهمة تقع على كاهل إمارات المناطق والأجهزة الأمنية (المرور، والشرطة، وأمن الطرق، وغيرها).

4. الاستجابة للطوارئ (Emergency Response): المسعفون من الجهات الصحية ومنسوبو الدفاع المدني ودورهم في الاستجابة للحوادث في أسرع وقت ممكن.

وتكامل دور هذه الجهات بحيث لا يتم إهمال عنصر على حساب الآخر هو ما يسهم في رفع كفاءة الطرق ويساعد على الوصول لأفضل النتائج المرجوة.

وحل معضلة الازدحام بالحزام الدائري لا بد أن يبدأ بتعريف المشكلة بشكل علمي صحيح ودقيق مبني على بيانات ومعلومات ومدخلات وليس مبنيًا على آراء شخصية تكون ضمن المنهجية المعروفة علميًا والمتبعة عالميًا في حل أي إشكال مروري عن طريق إجراء دراسة مرورية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار المشاريع التوسعية بالمدينة ومدى تأثيرها على أي حلول مقترحة.

دائري ثان

يشير المتخصص في متابعة التنمية بندر آل مفرح إلى أن الحزام الدائري تم إنشاؤه بأمر الملك فهد -رحمه الله- عام 1402 للهجرة، وبمتابعة من الأمير خالد الفيصل، ونفذته وزارة المواصلات آنذاك، وقال لـ«الوطن» إن «تنظيم حركة السير على الحزام لن تحل بآراء سريعة وغير مسؤولة، وإنما من خلال دراسة عميقة وعلمية وممنهجة»، وشدد على ضرورة البدء بمشروع الدائري الثاني لمدينة أبها والمُصمم سابقًا من قبل فرع وزارة النقل بما يُحقق البُعد الإستراتيجي لحركة السير، على أن يتزامن ذلك مع:

1- العمل على تهذيب الحزام بتقليص حجم الجزيرة الوسطية إلى 30 سم فقط، وإدخال الأرصفة والمساحات الميتة على طول الحزام للمسارات الرئيسة، وتنفيذ هذا البند بِمُعدات الأمانة وبإمكاناتها الذاتية والبُعد عن الفكرة المجنونة لتوسعته.

2- طول الحزام قُرابة 12.5 كم، ويحتاج الموقف إعادة النظر في خُطط السير من خلال الاكتفاء بتمركُز دوريات المرور في المُربعات الساخنة مع أهمية تواجد رجال المرور بكثافة في الميدان لتسهيل الحركة المرورية وضرورة بقاء تقاطع الملك فيصل والضباب والعقبة ومدخل شارع الفن حُرة دون إغلاق مُراعاة للحالات المرضية والنفسية والمناسبات المختلفة ولضمان الإسهام في تدعيم العلاقة الجيدة بين المُجتمع وجهاز المرور.

3- توقف الأمانة عن منح التراخيص الاستثمارية على الحزام وإيجاد مدخل مُستقل للمدينة العالية مجاور لجبل أبوخيال للمساهمة في مرونة الحركة المرورية.

4- أهمية تكليف شركة السودة وفرع النقل والأمانة والمرور بمعالجة الوصلة الواقعة بين مدخل أبها الجديدة إلى الحزام بطول 3 كم بحيث يتحقق دخول المركبات القادمة من السودة للحزام بسهولة ويُسر.

5- منع الكافيهات من تقديم الطلبات لأصحاب المركبات لضمان تقليص مُسببات تلبك السير.

6- مُعالجة طريق الخدمة الشمالي لنفق الضباب وعكس اتجاه السير للقادمين من جبل ذرة باتجاه دوار الضباب المجاور لبقالة النورس.

7- عكس اتجاه السير من أمام المرور إلى البنك الفرنسي وعكس شارع الفن من الشرق إلى الغرب باتجاه الحزام ونقل فعاليات شارع الفن إلى حديقة شمال أبها.

8- استبعاد المسار الواحد للحزام لأنه سيترتب على ذلك تعقيد حركة السير داخل أحياء مدينة أبها والتي تُعاني من الضيق الشديد.

حلول سريعة

بدوره، دعا نائب فرع هيئة الصحفيين بمنطقة عسير سعيد عبيد إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة لتعثر حركة السير على الحزام، وقال «تعاني المدينة في موسم الصيف من الاختناقات المرورية التي تصل أحيانًا إلى شلل تام في الحركة المرورية للمركبات، نتيجة الإقبال الكثيف من المصطافين، وأنسب الحلول السريعة هو تحويل حركة بعض الشوارع ذات الكثافة المرورية لمسار واحد، وإيجاد طرق بديلة لتخفيف الضغط على الطرق الرئيسة خصوصًا مدخل المدينة، وإزالة الأرصفة (الجزيرة الوسطية) وتقليل حجمها، وتهذيب الشوارع واستغلال الأرصفة الميتة بأقل التكاليف حسب إمكانات الأمانة، ونقل بعض الفعاليات من وسط المدينة إلى شمال المدينة لتحرير حركة سير المركبات داخل المدينة، وتوسيع مداخل ومخارج تقاطع الغنيم مع الحزام، وكذلك تقاطع بني مالك مع الحزام، وعكس حركة السير داخل شوارع المدينة، وتوسيع مداخل طريق الخدمة في تقاطعات الحزام الجديدة»، مشددًا على حاجة أبها إلى طريق رديف آخر وبشكل سريع.

توحيد المسار

يقترح المهندس أحمد آل صبحان «هندسة تخطيط» توحيد مسار واتجاه حركة المركبات داخل الحزام الدائري خاصة في موسم الصيف، وتوفير مخارج للأحياء الواقعة على امتداد طريق الحزام وبشكل هندسي ومدروس من قبل لجان السلامة المرورية بمشاركة متخصصين من القطاعات ذات العلاقة على أن تكون الخطة مرنة وقابلة للتطبيق والتغيير متى دعت الحاجة.

وشدد على ضرورة وضع حلول للأنشطة التجارية المسببة للزحام وتفعيل نقاط الفرز وتوجيه المركبات، مثنيًا على خطوة قفل الإشارات على امتداد الحزام، وتعيين مسار للباصات الترددية والمشاة، وتوجيه السيارات القادمة من المتنزهات لطرق بديلة، وإزالة بعض الأرصفة وتقليل حجمها.

كما دعا إلى ضرورة إشراك جامعة الملك خالد بشكل فاعل في أي لجان أو ورش لتطوير المنطقة المركزية في وسط مدينة أبها بشكل خاص لما تملكه من إمكانات أكاديمية وبشرية تقوم خططها ومشاريعها على أسس علمية بعيدة عن العمل العشوائي.

مدينة ذكية

بدوره، يقترح المستثمر عبدالله الوادعي نزع ملكيات عدد من الأحياء القديمة الواقعة ضمن نطاق الحزام الدائري كمرحلة أولى، خاصة المحيطة بمركز المفتاحة الثقافي، والتي أصبحت مبانيها في الغالب سكنًا للعمالة الوافدة، وتشكل تشوهًا بصريًا بعد انتقال سكانها إلى أحياء ومخططات حديثة، وقال «ما المانع من تحويل هذه المنطقة إلى مدينة ذكية لتكون مظلة لكافة القطاعات والأنشطة والمشاريع الكبرى القائمة في المدينة وتعزيز التكامل بين مختلف القطاعات العاملة في المدينة، الأمنية والبلدية والخدمية، إلى جانب الهيئات والبرامج الحكومية ذات الصلة، وشركات الاتصالات وتقنية المعلومات، وفق آلية تشرف عليها هيئة تطوير عسير، على أن يتزامن ذلك مع المحافظة على المواقع التاريخية والأثرية لتكون نقاط جذب للسياح والباحثين في تاريخ المنطقة».

خطوات عملية

في الجانب العملي، تابع أمير عسير، رئيس هيئة تطويرها الأمير تركي بن طلال أعمال تنفيذ مشروعي طريقي بني مالك، ونفق تقاطع طريق الأمير سلطان مع طريق الملك عبدالعزيز (الحزام الدائري)، وهما مشروعان من الطرق المحورية التي تهدف لتسهيل الحركة المرورية في أبها من خلال تخفيف الضغط على «الحزام الدائري» والقضاء على الاختناقات المرورية على طريق الملك فهد خاصة على كوبري العرين ومدخل المدينة الرئيس والمؤدي إلى دوار القصبة سابقًا.

وساعد الانتهاء من مشروع كباري تقاطع الحزام مع طريق الأمير سلطان في تسارع الحركة المرورية كون الطريق ينفذ إلى طريق الملك عبدالله اتجاه مستشفى عسير المركزي جنوبًا، ومن الجهة الشمالية ينفذ إلى الطريق الرئيس المؤدي إلى المحافظات الشمالية بوجود 3 مسارات لكل اتجاه ووجود طرق للخدمة على جانبي الطريق.

الحزام الدائري في أبها

ـ اسمه الرسمي طريق الملك عبدالعزيز.

ـ 12.5 كلم طوله.

ـ يحيط بوسط أبها مثل السوار بالمعصم.

ـ يمتاز بمسارين ذهابًا وإيابًا مع توسعه في بعض الأماكن.

ـ فيه أكثر من نفق وجسر لتسهيل وتسريع حركته.

ـ يمكن المرور منه نحو كثير من الأماكن السياحية في المدينة وما حولها.

ـ يقع عليه عدد من الحدائق الشهيرة مثل أبو خيال والشلال.

ـ يعد الطريق الموصل للمدينة العالية وأبها الجديدة وشارع الفن وغيرها.

ـ يشهد حركة مرورية عالية الكثافة وعلى الأخص صيفا.