خرجت جمعيات خيرية عدة عن دورها التقليدي المنحصر بجمع التبرعات من المحسنين وتوزيعها على المستفيدين، وانتقلت إلى فكرة أكثر استدامة تمثلت بدخولها استثمارات مضمونة تدر دخلًا ثابتًا يساعد الجمعية في تنفيذ برامجها الخيرية دون الاتكاء الدائم والمستمر على التبرعات الخيرية الخاضعة في أحيان عدة إلى تقلبات غير محدودة تبعًا لظروف أصحابها ورغباتهم.

ورأى كثيرون في هذه الخطوة الأخيرة توجها محمودًا، شرط أن يكون الاستثمار مضمون النتائج دون مجازفة بأموال الجمعية، أو خوضها مغامرات غير محسومة العواقب. دعم دائم بين المستشار المالي والإداري في جمعية البر بمحافظة بارق علي حسن شعتور البارقي أن جملة من الأسباب تدفع الجمعيات الخيرية لطرق وتعزيز باب الاستثمار، وقال «تحتاج الجمعيات الخيرية إلى الدعم المادي بشكل دائم حتى تواصل أداء مهمتها، وهناك جملة أسباب تدعوها إلى الاستثمار وتعزيزه، من أبرزها استمرار القناعة والممارسات بأن دعم الجمعيات الخيرية يتم فقط في إطار الإحسان والصدقة والتبرعات، وعدم وجود مصادر إيرادات مستمرة من خلال المشروعات، واستمرار الفكر الإداري في المدى القصير الذي يقود الجهات الخيرية إلى التخطيط والتنفيذ والصرف على مستوى فترات قصيرة لا يزيد عن عام غالبًا، وإغفال ما يضمن الاستمرارية، وربما كذلك الثقافة العامة في الجمعيات لا تغري بالحماس لفكرة الاستثمار، ولا بد من تغيير ثقافة العمل داخل الجهة الخيرية وتغيير أهداف الإيرادات العليا». زيادة الدخل يواصل البارقي بالتأكيد على أهمية تأمين إيرادات للجمعيات، ويقول «هناك سؤال مهم جدًا يطرح نفسه على الجهات الخيرية، وهو كيف نوّلد المال؟، وستكون الإجابة دائمًا من المستثمرين.

ومن هذا المنطلق وتماشيًا مع المرحلة المقبلة ورؤية المملكة 2030 يجب أن تعتمد الجهات الخيرية على استثماراتها المتعددة لزيادة الدخل وتغذية مشاريعها وبرامجها، وأن تنوعها، ولذا تقوم الجمعية بالاستثمار في الأسهم وفي العقارات وفي الجمعيات التعاونية الاستهلاكية».

وأضاف «نطمح إلى توسيع استثماراتنا لقناعتنا بدورها في تنويع مصادر الدخل». تجارب يشير المدير التنفيذي لجمعية البر الأهلية في المظيلف محمد حسن الزبيدي إلى أن جمعيتهم تحولت نحو فكرة الاستثمار منذ عام 2009 لتحقيق استدامة مالية تدعم أنشطتها وبرامجها، وتزيد من عدد تلك الأنشطة وحجمها، وصولا لخدمة أفضل ولعدد أكبر من المستفيدين، وقال «أطلقنا عددًا من المشاريع الاستثمارية، ومنها مشروع ديوانية روائع القهوة العربية، وهي الديوانية الأشهر في المنطقة، ونتيجة تميزها بنكهة خاصة للقهوة العربية ولإقبال عليها تم فتح خط إنتاج، حيث يباع منتجه الآن فى أكبر أسواق المنطقة الجنوبية، وأصبحت مبيعات عبوات قهوة روائع فقط تمثل 40 % من إجمالى مبيعات الديوانية».

وأضاف «وأطلقنا مشروع صالة روائع للاحتفالات والمناسبات، وهي قاعة راقية مجهزة بالمعدات والإمكانيات ومصممة على أحدث الطرز، وتصلها أرباحها الصافية أكثر من 50 %من المبيعات، وهناك مشروع مطعم ومطبخ قرية عشم الأثرية ذي التصميم التراثي، وهو يدار بأحدث الأجهزة الحديثة والأطقم ذات الخبرة، ويعد حاليًا قبلة للعائلات والمسافرين على طريق جدة جازان لديكوراته وجودة منتجه».

وأكمل «هناك أيضًا مشروع مطعم الأسماك الذي وصل مرحلة تركيب المعدات والفرش، ومشروع منتزه مساحته 32 ألف متر ويحتوي على ألعاب مائية وكبائن مكيفة للعائلات، ومشروع صالة ألعاب للأطفال وقد وصلت مرحلة اختيار الألعاب، ومشروع فندق ثلاث نجوم فى مرحلته الأخيرة من التشطيب». معوقات عن المعوقات التي تصادف العمل الاستثماري للجمعية، يقول الزبيدي «نقص التمويل يمثل العقبة الأولى، فتكلفة مشاريعنا تعدت 30 مليون ريال، وهناك كذلك مشاكل إدارية لارتباط الأعمال بالجمعية، وما زالت اللوائح والأنظمة غير ميسرة تمامًا، وإن كان المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي قد بدأ يوفر تسهيلات عدة». تعثر مع مستثمر مدير جمعية البر في المجاردة حمود بن صاحب العمري بين أن جمعيته التي حرصت على تنوع مصادر دخلها، أنشأت فندقًا في المحافظة وسلمته إلى مستثمر لكنه لم يلتزم بالسداد، كما أنشأت مشروع مول تجاري لم يكتمل لعدم وجود دعم له. منصات مانحة يركز المدير التنفيذي لجمعية البر الخيرية في الشرائع بندر صالح سمارة على أن فكرة الاستثمار التي بدأت مع تأسيس الجمعية تعتمد على منصات الجهات المانحة والشركات ومنصة إحسان ومنصة تبرع والمتجر الإلكتروني، وقال «لدى الجمعية 3 أوقاف، منها وقف بجدة يخدم مشروع إفطار صائم، ووقف آخر بالشرائع مخطط 7، ووقف ثالث في مخطط الريان بمكة يخدم جميع مشاريع الجمعية».

وعن أبرز العوائق التي تواجه العمل الاستثماري للجمعية، قال «توفير المصاريف التشغيلية وتأمين رواتب الموظفين بما يحقق معايير السلامة المالية للجمعية». خدمات الدعم أوضحت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن الوزارة تقدم خدمات الدعم للقطاع غير الربحي بشكل عام والجمعيات بشكل خاص، ويوجد سقف محدد للدعم، ويتم الدعم وفقًا لعدة معايير تراعيها الوزارة من أهمها المنطقة الجغرافية، ودرجة الحوكمة والقوائم المالية للجمعية، إضافة إلى أن هناك معايير خاصة لكل منحة.

وتقدم الوزارة خدمات الدعم بكافة أشكاله بما فيها الدعم المالي، وتسعى الوزارة من خلال ذلك إلى الإسهام في العمل التنموي وتحقيق النمو والتطوير والاستقرار الاجتماعي للمجتمع بكل فئاته، ويشمل الدعم عدة أمور منها بناء قدرات الجمعيات الأهلية وبرامجها وأنشطتها، وطلبات منح الأراضي للجمعيات، وشراء أو بناء مقرات لهم، بالإضافة إلى دعم طلبات ترخيص المتاجر الإلكترونية لجمع التبرعات، وطلبات ترخيص الرسائل النصية والتذكيرية، والموافقة على الحملات التسويقية لجمع التبرعات، كما تتيح الوزارة للجمعية تنويع مصادر استثماراتها وفق ضوابط وشروط، كما تساعد على دعم الجمعيات على الاستدامة المالية من خلال برنامج دائم بالشراكة مع كل من بنك التنمية الاجتماعية ومؤسسة سليمان الراجحي للتمويل التنموي، ويمكن للمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي باعتباره الجهة المخولة بالإشراف المالي والإداري الاطلاع على استثمارات الجمعية حيث يقوم المركز بمراجعة القوائم المالية للجمعية من خلال مكتب محاسبي معتمد نهاية كل سنة مالية.