ما هو الباب؟ في تعريفه ذاته يشير ضمنا إلى وجود الخارج، بمعنى آخر لما هو خارج الباب.

نحن هناك: تتم رؤية الباب لأول مرة من داخل المنزل من قبل الشخص المدرج هناك... من هناك؟

يجب التفكير في كل شيء: الداخل، الخارج، المفتوح، المغلق، الرفاهية، خطر، ولهذا السبب أثبتنا أنفسنا نحن البشر كمصابين بجنون العظمة مثل الآلهة والفنيين.


بهذه الرؤية من التداعيات، يخوض الدكتور باسكال ديبي،مقاربة فكرة (الباب) في كتاب فريد من نوعه، حمل هذا العنوان، فأشرع أبوابا ونوافذ لمئات الأسئلة التي سعى لمحاورتها في كتابه (الباب).

اختراع الحدود

يقول باسكال: «ليس مكانا أردنا النوم فيه ولم نتحصن فيه، ولا مجالا لم نحصره، ولا معبدا، لم نفرض رسوما عليه، ولا عائلة أو مدينة لم نحمها».

ويتابع ذاهبا إلى أن «أبوابنا في كل مكان، مخارج ضيقة أو أبواب ضخمة، أروقة يونانية، أقواس نصر رومانية، يسوع الذي يعظ على الأبواب، الجحيم الذي تم اختراعه، تصورنا للباب يبني شيئا فشيئا. نسلح القلاع بجسور متحركة ورموز، ونحيط النساء، ثم نصنع مداخل رسمية، ونبتكر ملصقات لكل من الرجال والكتب».

ويواصل كمن يبدو حانقا على فكرة الباب فيقول: «أقيمت الحواجز في كل مكان إلى حد اختراع الحدود. تتقدم المدينة، ويضبط المجتمع نفسه، ويضبط نفسه، ويبتكر القواعد التي تنشرها على الأبواب: الهيبة، واللياقة، والموت».

توازن الكون

لا يتردد باسكال ديبي في التنقل والارتحال في أرجاء الكون بكل قاراته، وهو يفكك حكاية الباب في حياة البشرية منذ الأزل، فتقبض عليه قائلا: «ويمكننا قراءة كل شيء على باب حياتنا. لقد تخطى الفولكلور العتبات، وغذى معتقداتنا وطقوسنا الغريبة في العبور. زملاؤنا من مكان قريب أو بعيد لم يفعلوا أقل من ذلك: فالجنون والأقفال يراقبون في إفريقيا، بينما في الصين ما زلنا نحسب اتجاه الفتحات وعند كل باب يتم تحقيق توازن الكون بالكامل. الباب في الأمازون هو في حد ذاته، بينما في أوقيانوسيا هو طريق طويل من التحالف».

درء العين الشريرة

باسكال ديبي - أستاذ الإثنولوجيا بجامعة ديدرو- ينقلنا عبر كتابه لمرحلة بداية البشرية، حين اقتصر الرجال على وضع عقبة بين الداخل والخارج، في معظم الأحيان لحماية أنفسهم من أي عدو محتمل: الوحوش والحشرات والأعداء. عندما لا يتعلق الأمر بشياطين أو سحرة، فمن المرجح أن يلقي تعويذة على سكان المكان، أو في كثير من الأحيان على الأطفال حديثي الولادة. ويقول مضيفا «تعلمنا عادات الأجداد، مثل غيرها من الأعراف الأقرب إلينا، أنه في مناطق معينة من فرنسا (كما في أي مكان آخر) تم دفن الأطفال أو الأجنة الذين ولدوا ميتين تحت عتبة الباب لدرء العين الشريرة». هذا المثال هو واحد فقط من بين مئات الأمثلة الأخرى عبر القرون، وفي جميع القارات، وكلها متنوعة وغريبة الأطوار في بعض الأحيان، وغالبا ما تكون مرتبطة بالعادات أو الخرافات.

احتماء من الأعين

لماذا نحبس أنفسنا في أماكن معينة، ونغلق علينا الأبواب؟

يتساءل باسكال قبل طرحه أجوبة مختلفة حسب الأماكن والأزمنة.

ولكن أكثر من ذلك، نجده يمعن في تفاصيل ما ارتأه حبسا داخل أماكن في المنزل فيوضح: داخل المنزل، يوجد باب الحمام، والمرحاض بدقة شديدة. هل نعلم أنه في زمن لويس الرابع عشر كان التواضع بالكاد ساريا وأن المرء يلبي احتياجاته في كل مكان تقريبا، على مرأى من الجميع، ينزل الرجال سراويلهم دون خجل، وشيء أكثر سوءا، جعل معظم حاشية اللوفر احتياجاتهم في أي مكان، في قلعة الملك، لدرجة أنه كان من الضروري قريبا إيجاد حلول لمواجهة الرائحة الكريهة التي أصبحت غير قابلة للتنفس.

هذه هي الطريقة التي يظهر بها التواضع شيئا فشيئا في المنازل، فقد اعتادوا على الاختباء للقيام بأعمالهم، وجاء الباب ليحتمي من أعين أفراد الأسرة الآخرين التي كانت تقضي على نفسها.

استدعاء الذاكرة

يقدم باسكال ديبي في ( الباب) جردا حقيقيا لجميع الأبواب وجميع العادات، ففرنسا بالطبع تتمتع بامتياز كبير في هذا الإطار، ويمتعنا باسكال بقراءة التعقيدات المرتبطة بالأقفال والمفاتيح التي أخذها المستأجرون، مما أدى إلى الانزعاج الكبير للمالكين الذين اضطروا إلى اللجوء إلى الحمالين لمراقبة أبوابهم.

لاحظ أيضا أنه في ذلك الوقت، منذ عام اندلاع الثورة الفرنسية 1780، كان من الصعب جدا العثور على شخص من خلال عنوان ، لأن الأبواب لم تكن مرقمة، وحمل الرسالة كان من مسؤولية حشد من المرشدين، بائع زهور، حاضنة، ملهى، كل هذا يظهر على الظرف المخصص للشخص، حتى يتمكن من استلام بريده.

ويوضح باسكال اختلاف الثقافات فيما يتعلق بالباب فيشير إلى أن في إفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا، تلعب الأبواب دورا رمزيا، وأحيانا تكون مفتوحة، وفي بعض الأحيان تمثل نوعا من القوس حيث مر العبيد ذات مرة، كما لو كان المرور تحتها يستدعي الذاكرة، أو قد يتسبب في ذلك ليتم نسيانها.

فتح باب المرء

في نهاية الكتاب، سيجد القارئ جدولا يسرد فيه باسكال جميع أنواع الأبواب ومصيرها واستخدامها وموقعها.

وهكذا ينتهي القارئ بالتساؤل كيف جاء اليوم ليجد نفسه مغلقا خلف بابه أو أبوابه.

و يبدو أن ديبي كمن يقول: «كلما كان الشخص محميا، كلما كان يعتقد أنه في خطر».

درس فلسفي واضح، ويبدو أننا سنكسب الكثير من فتح قلوبنا بترك أبوابنا مفتوحة أكثر، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بها.

لكن فتح باب المرء يظل دعوة للمشاركة والثقة، وإذا بدت هذه الحالة، فيمكننا اعتبار أنه سيكون من المثالي أن نكون قادرين يوما ما على فعل ذلك.

بالنسبة لمعظمنا لم يعد يضع مفتاحا في قفله، أو حتى لم يعد لديه باب على الإطلاق، لكن هذه قصة أخرى!

باسكال ديبي :

*عالم إثنولوجي فرنسي.

* ولد عام 1949 في باريس

* بعد دراسة التاريخ، التحق بمقرر العلوم الأنثروبولوجية - الإثنولوجية - الدينية

تخرج في عام 1975.

*يعمل بتدريس التاريخ في جامعات مختلفة

* في نهاية سبعينيات القرن الماضي، أطلق المجلة الإثنولوجية (1976)

* عام 1978 أنشأ مقرر «علم الإثنولوجيا في العالم الحديث» (علم الأعراق البشرية في العالم الحديث).

* طرق الكتابة الروائية إلى جانب معرفته بالإثنولوجيا

* من كتبه (إثنولوجيا غرفة النوم) (2000).

* كان آخر فائز بجائزة هنري دومارست لعلم الاجتماع من الأكاديمية الفرنسية.