مع تطور الذكاء الاصطناعي ربما يأتي اليوم الذي نشاهد «راصدًا اجتماعيًا» يشابه ساهر المرور يكبح جماح الدلوخ بالمعنى الشعبي العام.. يراقب تصرفاتهم ومظهرهم المخجل في المجالس والأسواق والمنتديات والمطاعم وأماكن التنزه والشوارع.

ويتساءل الناس فيما بينهم هل من الحصافة أن تنصح شخصًا أتى إلى بيت من بيوت الله بشعر رأس منكوش، يرتدي ثوب نوم مضغته الليالي ورائحته تؤذي المكان؟.

كيف تتصرف مع من يُلقي القمامة أمام بيت جاره ويسيء إلى الآخرين بالغيبة والنميمة والتدخل فيما لا يعنيه؟


وهل من الحكمة التنبيه على من أعطى نفسه الحق الجلوس في صدارة المجالس وهو يعلم يقينًا أنه مكان الضيوف وكبار المواطنين؟ كيف تتصرف إن جمعك القدر على مائدة «بدُلخ» لا يُسمي ولا يأكل مما يليه، بل يحرث بأصابعه في الصحن وكأنه يلعب «الكيرم»، ويتكلم والطعام في فمه؟.

وهل من الكياسة مقاطعة من يُلبي كل دعوة إلى مأدبة أو جلسة سمر، لكنه لا يرحب بأحد في منزله، ولا يحرص على أداء الواجبات مع أقاربه وجيرانه وأصدقائه، وإذا أُضطر إلى ذلك يردد بكل بلاهة «وصلوني معكم»؟.

وفي الأسواق تعرف الدُلوخ من تلفتهم يتمنون معرفة ماالذي يحمله المتسوقون، ومنهم من أوقف سيارته وسط الطريق يتحدث مع صديقه دون احترام للبشر وآخر يرفع صوت الأغاني أثناء القيادة وثالث ليس معه إلا كآبته وثيابه البالية التي لا تتغير طوال العام وقد حرم نفسه من خيرات الدنيا بسبب بخله وشقائه، ولو عاتبته من أجل تغيير حياته إلى الأفضل فإنه يبرر ذلك خوفه من الحسد وهو عذر أقبح من فعل.

وزد على ذلك «دُلوخ ودُلخات» اتخذوا من وسائل التواصل صفحات بالصوت والصورة يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا وهم ببلادتهم، يكشفون للناس ما ينقصهم من الحياء وضعف التفكير وإفلاس، والعياذ بالله، من القيم والشيم التي يفتخر بها مجتمعنا السعودي العظيم.

ويحذر علماء النفس من تحول عادات الإنسان السيئة إلى أطباع فيُصبح في مرمى انتقادات الآخرين، ويدخل في زُمرة «الثقلاء» الذين يفر الناس منهم وتُصاب الأرواح بسببهم بالحمى والضجر والضيق.

وإذا كان ساهر المرور يغمض عينه تقديراً لكل من يقود سيارته دون مخالفات ويحافظ على النظام، فلماذا لا نحرص على الفوز باحترام أعين الناس، ومحبة قلوبهم ونجعل الإنسانية والذوق وحُسن المظهر العام وعدم الإساءة والقدوة الحسنة هدفنا اليومي؟.

رحم الله الشاعر محمد السنوسي الذي قال:

«إن الحضارةَ أسماها وأرفعها أن تُحسن المشيَ فوقَ الأرض إنسانًا».