على الرغم من التضييق الذي يمارس عليها، ويسعى لمكافحتها، فإن الحركات الإرهابية، لا تزال تحاول تطوير آلياتها في وجه الحرب التي تشن عليها.

وتتناول أناستازيا سميث، نائبة مسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية لشؤون الإرهاب والجريمة العابرة للحدود في «مجلس الاستخبارات الوطني» تطور تنظيم القاعدة من مجرد جماعة إلى شبكة عالمية، فمنذ عام 2001 عمل التنظيم على التطور من جماعة لها قاعدتها في أفغانستان وباكستان إلى شبكة عالمية تتبع لها جهات تابعة وذات قواعد إقليمية.

وبينت سميث أن سلطة التخطيط المركزية التي يتمتع بها «مركز تنظيم القاعدة» انتقلت إلى فروعه الإقليمية، التي تستمر في الاستفادة من هذه السلطة في إحداث الفوضى وزيادة قوتها التنظيمية.

تقلص القيادات

مع الاستهداف المركز لقيادات القاعدة، في إطار تدابير مكافحة الإرهاب الدولية، بقي أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن كـ«أمير» التنظيم، موجوداً في جنوب آسيا وظهرَ عدة مرات في مصادر إعلامية عام 2021، فيما يقبع في إيران سيف العدل، نائب أمير الجماعة، وعبد الرحمن المغربي، مديرها الإعلامي.

ويواصل هؤلاء وغيرهم من القادة إظهار الوحدة التي يتسم بها هيكل القيادة في تنظيم «القاعدة» من خلال استخدام وسائل الإعلام والدعاية، مما يزيد من قوة التجنيد التي تتمتع بها الجماعة ويحافظ على صورتها.

لكن الفروع المنتشرة في كل مكان باتت تتمتع بقدرات تخطيط تمكنها من التحرك بحرية أكبر.

هيكلة الفروع

تسمح هيكلية الفروع بصمود تنظيم «القاعدة» أمام التحديات، وهناك فروع قوية مثل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في منطقة الساحل، و«حركة الشباب» في الصومال، وهي تحقق المكاسب، وتعوّض الخسائر الكبيرة التي تتلقاها الفروع الأضعف في سورية واليمن وجنوب شرقي آسيا.

ويواجه تنظيم القاعدة، نوعاً من المفاضلة بين الاعتراف الذي يحظى به بسبب نشاطه العابر للحدود، والذي يمكن أن يجذب انتباهاً وتهديدات غير مرغوب فيها على صعيد مكافحة الإرهاب، وبين عملياته المحلية، التي تتجنب إلى حد كبير التدقيق الدولي.

توجه محتمل

يوضح هارون واي زيلين مؤلف دراسة حملت عنوان «عصر الجهاد السياسي: دراسة في «هيئة تحرير الشام»، أن حالة «هيئة تحرير الشام» - الفرع السابق لتنظيمي «القاعدة» و«داعش في العراق»- التي تركز محلياً بشكل واضح على محافظة إدلب في شمال سورية، توفر عدسة جيدة يمكن من خلالها رؤية الاتجاه المستقبلي المحتمل للمنظمات الجهادية.

ففي يونيو 2018، بدأ قائد الجماعة أبو محمد الجولاني حملة للتواصل مع المجتمعات المحلية في إدلب، ومنذاك تحولت «هيئة تحرير الشام» من منظمة جهادية بحتة إلى هيكل حكم أولي يسيطر على الأراضي ويحافظ عليها من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية.

وحاولت الهيئة في إدلب توفير الخدمات للسكان المحليين، وانتقلت إلى نزعة تتخذ اتجاهاً سياسياً أكبر، وبالتالي، لم يعد الجولاني زعيما لجماعة إرهابية أو فصيل متمرد فحسب، بل أصبح رئيساً لنظام حكم غير مكتمل أيضاً، وقد استخدمت الهيئة الاتصالات السرية لترسل رسالة إلى المسؤولين الأمريكيين، تقول «نريد أن نكون أصدقاءكم. نحن لسنا إرهابيين. نحارب الأسد فقط.. لا نشكل تهديداً لكم»، وهو ما يشير إلى رغبة الهيئة في التحول إلى نظام حكم.

تغيير التصنيف

يضيف زيلين، «يمكن للتغييرات التي تعمل عليها هيئة تحرير الشام أن تمهد الطريق لتعديل واقع تصنيف هذه الجماعة كتنظيم إرهابي بموجب القانونين الأمريكي والدولي. إلا أن هذا لن يتحقق قريبا، لأن الهيئة لم تستوفِ الشروط القانونية التي تستدعي تصنيفها كإرهابية، وما زال أعضاؤها متورطين في الاغتيالات، وقمع المتظاهرين، ودعم المنظمات الإرهابية الأخرى».

وإذا استمرت في تقليل نشاطها العنيف والتوجه نحو الاعتدال بدلاً من ذلك، فقد يُعاد النظر في تصنيفها، وإن كانت الهيئة في مواجهة عقوبات أخرى بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

تهديد مستمر

خلص مجتمع الاستخبارات الأمريكية إلى أن المنظمات الإرهابية تمثّل تهديداً مستمراً في الشرق الأوسط وحول العالم، وحتى مع الضغط المتواصل الذي أضعف قدرات الهجوم الخارجية لداعش والقاعدة إلا أنهما ما زالا يطمحان بتوجيه هجمات ضد الولايات المتحدة، وما زالت القاعدة بالتنظيمات التابعة بها تشكل تهديدا جديا، ويؤدي الانتشار الجغرافي لهذا التهديد إلى صعوبة مواجهته.

مكافحة بيروقراطية

على مدى السنوات الـ20 الماضية، أنشأت واشنطن بيروقراطية لمكافحة الإرهاب من أجل إدارة استجابتها للتهديد الذي يشكله تنظيم «القاعدة» وأمثاله، وتزويد هذه الاستجابة بالموارد وتفعيل نشاطها. وكان هذا الجهد ناجحاً بشكل ملحوظ من وجهة النظر التكتيكية، حيث تم إحباط الهجمات وتعطيل الشبكات الإرهابية. لكنه كان أقل نجاحاً بكثير من وجهة النظر الإستراتيجية، بالنظر إلى أن المزيد من الأشخاص الذين يتورطون حالياً في التطرف العنيف أصبح أكبر مما كان عليه في عام 2001، مما يشكل تهديداً إرهابياً أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي.

ولمعالجة هذا التناقض، يجب ألا تركز السياسة الأمريكية فقط على القضايا التكتيكية مثل مكافحة تنظيم «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام»، بل أيضاً على الضرورة الإستراتيجية المتمثلة في الاستثمار بشكل أكبر (وبسرعة أكبر بكثير) في الحكم الرشيد، وتدابير مكافحة الفساد، وغيرها من الجهود الرامية إلى منع ممارسة العنف.

تنظيم القاعدة يتخلى عن المركزية ويعطي استقلالية أكثر للفروع

تمدد الفروع يتيح لها توجيه ضربات أكثر تشكل تهديدا جديا

بعض الفروع تحقق مكاسب تعوض خسائر فروع أخرى

هيئة تحرير الشام تحاول التغيير من حركة جهادية لإدارة حكم محلي

الانتشار الجغرافي للتنظيمات المتطرفة يصعب مكافحتها