من تهامة السعودية جنوبًا، إلى أقصى شمال الكرة الأرضية في السويد، ومن مشارق الأرض إلى مغاربها، ومن الماضي السحيق حتى الحاضر الحالي، ومن عمق الأديان إلى ظاهر العادات الاجتماعية، اتفق كثيرون على أن الأكليل الذي يوضع على الرأس يبقى لغة مفهومة، تشير إلى النصر، كما يشير في أماكن أخرى إلى الارتباط بالأرض، أو تمني الزواج بالنسبة للفتيات اللواتي يحاولن تلمس خطوات المستقبل، أو إلى مجرد الحرص على استنشاق الروائح العطرية والتزين بها بلا تكاليف باهظة.

ففي تهامة جنوبًا يظهر الرجال بأكاليل زهور ونباتات ملونة، مصنوعة من الزهور الطازجة، في مكان يزدحم بأجمل أنواع النباتات والزهور العطرية، وحيث يمرون تفوح منهم روائح تلك النباتات، التي يبرز منها على الأخص الريحان البري، والحلبة، وزهور القطيفة، والياسمين الأبيض الطري.

ويشير مطلعون إلى أن أكاليل الزهور لا تلبس في تهامة للتجمل فقط، فثمة أسباب أخرى صحية لها، حيث يعتقد أنها تعالج الصداع.

بلا مصادر

ليس ثمة مصادر محددة يمكنها أن تقدم تاريخًا بعينه أو سببًا محددًا لنشوء هذا التقليد التهامي المتمثل بلبس تاج الورود والزهور على الرأس، وهو تقليد يتمسك به التهاميون بقوة، بل وتحول ذلك التاج ليصبح من الهدايا الجميلة التي تقدم لزائري المنطقة عند قدومهم إليها.

ويطلق التهاميون على الإكليل أو التاج الذي يضعونه على رؤوسهم مسمى «العصابة»، وربما يسميه بعضهم «لوية»، لأنه يعصب ويلوى على الرأس.

نباتات مختلفة

لا تأخذ العصابة التهامية شكلًا موحدًا، فهي تتبع في الغالب المواسم فلكل موسم زهوره، وأحيانًا تشكل بما يتناسب مع لباس الرجل الذي يضعها، فيظهر بمظهر أشد أناقة وجاذبية، ولكنها تتكون دائمًا من زهور ونباتات تهامة، ولعل أشهرها البرك والريحان والكادي والوزاب والورد والبعيثران والسكب والألب والشذاب والخزامى والجثاث.

تقليد إغريقي

تعود جذور استخدام الأكاليل على الرؤوس إلى الإغريق، وذلك في زمن سبق ولادة المسيح عليه السلام بمئات السنين.

وكان الإغريق يمنحون الأكاليل للفائزين في المسابقات الرياضية، والبارزين السابقين في الملتقيات الشعرية، وكان الفائزون في الألعاب الأولمبية القديمة التي يعود تاريخها إلى العام 776 قبل الميلاد يحصلون على إكليل من أغصان الزيتون، التي تجلب من شجرة يسبغون عليها قدسية خاصة تنبت خلف معبد زيوس، تقول الإسطورة إن هرقل الذي أسس الألعاب الأولمبية القديمة زرعها بنفسه.

واشتهرت أكاليل الغار أكثر بكثير من إكليل الزيتون، بل وخص بها بالنسبة للألعاب الرياضية، الفائزون فقط في الألعاب البيثية Pythian Games التي كانت تنظم لتكريم أبولو (أو ما يسميه الإغريق إله الشمس)

والألعاب البيثية تتضمن 4 مسابقات هي رياضات المسار والمصارعة، والملاكمة، والخماسي، ولحقت بها لاحقًا سباقات الفروسية التي أصبحت تشمل سباقات الخيول، وهي عربة يجرها حصانان، وعربة تجرها أربعة خيول، والسباق مع حصان دون عربة.

وجاء استخدام إكليل الغار على أنه رمز شرف بطولي مع فتوحات الإسكندر الأكبر.

أسطورة حب وكره

كثيرًا ما رأينا تمثالًا لطفل صغير بجناحين حاملًا معه أسهمًا، لكن قلة من يعرفون أنه تمثال لكيوبيد الذي عدّه الإغريق حسب أساطيرهم (إله الحب).

لكن كيوبيد لم يكن يحمل الحب على الدوام، فأحيانًا ما كان يزرع الكره.

وفي الأسطورة الإغريقية يقال إن أبولو أغضب كيوبيد، وأبولو كان حسب الإغريق إلها يونانيًا رائدًا ارتبط بالقوس والموسيقى والعرافة (التنبؤ بالمستقبل)، وكان نموذجًا للشباب والجمال، وكان قويًا ومشرقًا، وقد عدّه الإغريق إله الشمس، والموسيقى، والرماية، والشعر، والرسم، والعرافة، والعناية بالحيوان، والحراثة.

وتقول الإسطورة إن أبولو أهان كيوبيد إهانة ذات علاقة بالرماية، حيث علق على سهمه قائلًا «ما عليك أن تفعل بأذرع الرجال، أنت الفتى الفاسد؟»، فقرر كيوبيد الانتقام منه بعدما غضب غضبًا شديدًا.

كان كيوبيد يمتلك سهمًا لونه ذهبي إذا أصيب به شخص يجعله يقع في حب شخص آخر بشدة، وكان لديه كذلك سهم آخر لونه رصاصي إذا أصيب به شخص يجعله يكره شخصا آخر بشدة.

راقب كيوبيد بكل الدقة عدوه أبولو، وحين مر قرب الحورية دافني أطلق عليه السهم الذهبي وأصابه فوقع في حب دافني إلى حد الجنون، كما أطلق كيوبيد سهمًا رصاصيًا على دافني في نفس الوقت فكرهت أبولو بشدة.

سعى أبولو للحصول على حب دافني، وطاردها في كل مكان، وحاول جعلها تحبه بالإكراه لكنه فشل، حتى أنها قررت الهروب منه بأي شكل، وطلبت من والدها بينيس (كان يعرف بأنه إله النهر حسب الإغريق) وطلبت منه برجاء أن يفعل كل ما بوسعه ليخفيها عن أنظار أبولو، فحولها والدها إلى شجرة الغار.

بقي أبولو عاشقا للشجرة دافني، وكان دائبًا على زيارتها، وحافظ على أوراقها فوق رأسه كأكليل حتى تحول الإكليل رمزًا للمجد والعنفوان، بعدما استخدم قوته ليجعل من الشجرة دافني دائمة الخضرة.

أغصان روما

لم تخرج الحضارة الرومانية عن تقليد الأكاليل وأهميتها، ففي روما القديمة كان الإكليل يوضع على رأس كبار القادة الأبطال.

وكان الإكليل في روما يتألف من غصنين من الغار يربطا معًا ليشكلا الإكليل.

وحل الذهب محل الغار في تشكيل الإكليل ليوضع على رؤوس أباطرة روما لاحقًا.

العودة للدفء

خاط المصريون القدماء الزهور على شرائط من القماش لتشكيل أكاليل رأس استخدمت في الغالب لتزيين تماثيل ما يسمونهم «الآلهة».

وفي الثقافات الجرمانية تستخدم أكاليل الزهور في فصل الشتاء لتكون بمثابة تذكير شتوي بأن الربيع سيعود وأن الأرض ستصبح دافئة مرة أخرى.

ويفسر كثيرون رمزية كون الأكاليل دائرية الشكل بأنها ترمز إلى اللانهاية، وإلى دورة الفصول من الربيع إلى الشتاء وفي النهاية إلى الربيع مرة أخرى، وتتشكل من نباتات دائمة الخضرة لأنها ترمز

إلى الاستمرارية والبقاء.

كما استخدمت الأكاليل في بعض الثقافات للاحتفال بحصاد الخريف، وفي أماكن كثيرة تعلق تلك الأكاليل على الأبواب الأمامية للمنازل لتكون ـ حسب مستخدميها ـ بمثابة سحر حماية.

وفي اسكندنافيا يستخدمها المزارعون الاسكندنافيون في محاولة لجلب الحظ الجيد لمحاصيل كل موسم.

أصول في المسيحية

تمسك رجال الدين المسيحي بالأكاليل، وأبقوها على أنها بمثابة جائزة أو تقدير يكافئ به الإنسان الذي يحقق إنجازًا عظيمًا.

كما استخدم الإكليل في المسيحية في مراسم الزواج في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهي تعيد ذلك إلى أن «الله لما خلق آدم وحواء ألبسهما أكاليل الفرح والنعمة، وأن الأكاليل المستخدمة في طقس الزواج هي أكاليل نوال الفرح والتحلي بالنعمة».

على جانب آخر، يرى يوحنا وهو أحد كبار رجال الدين المسيحيين أن أكاليل الزواج في المسيحية هي رمز النصرة على الشهوات.

ويقول مسيحيون «عندما يلبس العروسان الأكاليل، يظهران مثل ملك وملكة. فهما أصبحا ملكا وملكة في أسرتهما الصغيرة، والملك والملكة يرتديان تيجان الُملك».

إكليل غير المتزوجات

ترتدي الفتيات الأوكرانيات غير المتزوجات أكاليل زهور، في تقليد يتوارثه الأوكرانيون وتعود أصوله إلى السلافية الشرقية التي تضم كلا من البيلاروسيين والبلغار والمقدونيين والمونتينيجريين والروس والبلاروس والصرب والأوكرانيين، ويستمد هؤلاء تقاليدهم في الغالب من الإمبراطورية البيزنطية.

ويعد إكليل الزهور في أوكرانيا جزءًا من الملابس الوطنية، ويتم ارتداؤه في المناسبات الاحتفالية.

وتبادر العازبات الأوكرانية إلى وضع أكاليل الزهور، ثم يخلعنه رمزا على انتقالهن إلى الأنوثة (مرحلة طلب الزواج) ويضعن شمعة مضاءة وسطه ويضعنه في النهر أو البحيرة للتنبؤ بمستقبلهن الرومانسي، فمن خلال حركة الإكليل واتجاهه يمكن للفتاة أن تعرف من ستتزوج، أما إن بقي الإكليل في مكان واحد ولم يطفو لجهة ما على سطح الماء، فلن تتزوج، ولو انطفأت شمعة الإكليل فسوف يلحقها سوء حظ.

وكان الشباب يغوصون في الماء لمحاولة استعادة إكليل الفتاة التي يحبها كل منهم.

وتقول إحدى الأغاني التي ترافق هذا الطقس «من سيمسك إكليل الزهور سيقبض على الفتاة، الذي يحصل على إكليل الزهور سيصبح ملكي».

كما كان يمكن للفتاة أن تمنح الإكليل للشاب الذي تحبه وتريد الزواج منه.

ويحتفل بهذا الطقس في أوكرنيا مع انقلاب الصيف.

ويرى بعض الباحثين أن هذا التقليد كان في الأصل طقسا وثنيا للخصوبة.

طقس سويدي

في الأسبوع الماضي أقامت السويد حفل منتصف الصيف، وهو يوم عطلة رسمي، يتزامن مع الانقلاب الصيفي، حيث يخرج السويديون إلى الساحات المزروعة ويرقصون ويغنون.

وتعود جذور هذا التقليد إلى المزارعين الذي كانوا يحتفلون به مرتدين الأكاليل من الزهور في محاولة لجلب الحظ الجيد لمحاصيل كل موسم.

ويتمتع عيد منتصف الصيف بشعبية كبيرة بين السويديين، وهو يقام دومًا مساء يوم الجمعة السابق ليوم الانقلاب الصيفي، وعادة ما يكون بين يومي 19 و25 يونيو، متزامنًا مع الانقلاب الشمسي الصيفي في نصف الكرة الأرضية الشمالي والذي يقع بين 20 و22 يونيو من كل عام حيث تكون الشمس في أعلى ارتفاع لها فوق الأفق.

يقام الحفل عادة في الريف السويدي والبيوت الصيفية، أو في الحدائق العامة والمتنزهات.

وتم تسجيل الاحتفال بهذه المناسبة منذ القرن السادس الميلادي حيث كان يتم إشعال نيران منتصف الصيف للاحتفال في جميع أنحاء أوروبا. في السويد، تم العثور على آثار لهذه الاحتفالات بشكل رئيسي جنوب السويد.

ولا يقتصر هذا الاحتفال على السويد، بل تحتفل به أيضًا دول الشمال الأوروبي، ودول البلطيق، وبلغاريا، وبيلاروسيا، وروسيا، وبولندا، وألمانيا، وهولندا، وغيرها.

ويضع المحتفلون بهذا اليوم كذلك تيجانا من الزهور على رؤوسهم وهم يؤدون الرقصات الشعبية والأغاني التي تتناول أيام الأسبوع وحيوانات المزرعة وغيرها.

الأكاليل

* أشبه بالتيجان التي توضع على الرؤوس

* تقليد قديم يعود إلى الحضارات القديمة

* له تقاليد في بعض الأديان مثل المسيحية

* تتمسك به كثير من شعوب العالم

* له دلالات كثيرة ورموز مختلفة

* قد يرمز في أماكن للنصر والفخر

* يرمز في أماكن أخرى للخصوبة والأنوثة

* يتمسك به التهاميون لطيب رائحته وجميل تشكيله

* عدّ الغار من أهم النباتات التي تدخل في تشكيله لاحتفاظه بالخضرة