الجمهورية الإيرانية أجبن مما يتخيل الكثير. في السياسة والعسكرة؛ تخشى المواجهة. لديها الكثير من الرعب الذي يجعلها تتراجع خطوات إلى الوراء. هي دولة كارتونية. بل إنها في واقع الأمر ليست دولة. إنها عصابة تمتلك بعضًا من المقومات، كالغاز، والنفط، والممرات المائية. وشعبٌ مظلومٌ معزول عن الآخر. مواطنها في قعر الحسابات الخاصة. لذلك بحثت منذ عقود عن كثير من المرتزقة المأجورين. أحزاب أو أشخاص، يعملون بالنيابة عنها. يحاولون من بيروت إلى دمشق وحتى قطاع غزة، وكثيرًا من العراق وحتى اليمن وبعضًا من شمال القارة السمراء، افتعال الحروب، لا بل «المراهنات السياسية» كرامةً للمرشد. وللمنهجية «الشيرازية». وربما «الاثني عشرية» المتطرفة. وفي قُم العلم اليقين.

وفي الخبر ما يُشير إلى إسقاط سلاح الجو الاسرائيلي، عددًا من الطائرات المسيرة، التي أُطلقت من لبنان، كان هدفها منصة الغاز «كاريش» في البحر الأبيض المتوسط. وهذا بالمناسبة ليس بجديد، فقد افتعل حزب الله نيابةً عن إيران عديد من الحروب في مواجهة إسرائيل، التي تخشاها ولاية الفقيه، بل إنه يقوم – أي حزب الله - بدور العنصر الذي لا يكترث لكلفة ما يمكن أن تنتج عنه، من حصار للبلاد والعباد. والقضية ليست افتعال حربًا بقدر ما هي إصرار على رهن الدولة اللبنانية في المشروع التخريبي الإيراني الكبير.

وذلك يعني بالمحصلة أن الحزب لا تعنيه الدولة بقدر ما تعني له الاستراتيجية الإيرانية التي تعتمد التمدد ووضع اليد على مساحات أوسع من الدول العربية، لا سيما الهشة منها كلبنان على سبيل المثال لا الحصر. لذلك نشهد تكرار دخول حزب الله على خط الأزمات الإيرانية مع العالم، من باب التنفيس على طهران وخلق شعور مزيف من الانتصارات التي ترمي بنهاية الأمر إلى حشد أكبر قدر من الشعبوية لا سيما في أوساط المؤيدين للمشروع الإيراني في المنطقة العربية.

ولا بد من ربط الأمور ببعضها البعض، إذ أن من يفهم الفكرة العريضة للثورة الخمينية سيجد أن النظام الذي أزاح الشاه من سدة الحكم وحول الدولة إلى دولة فاشية بامتياز، يضع أولوية قصوى لأهدافٍ خارجية يسعى لتحقيقها دون النظر إلى الداخل. فمعروفٌ أنه منذ ثورة الخميني عام 1979 ميلادية فقد انتهجت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهج التخريب بالطائفية من خلال أيادي أخرى من ميليشيات وجماعات تتولى تمويلها بالمال والسلاح، وذلك في إطار حلم استعادة الإمبراطورية الكبرى.

وما إذا نظرنا إلى تأسيس «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني الذي كان يتزعمه المقبور قاسم سليماني، سنجد أن هذا الذراع العسكري، من المفترض يضطلع بتنفيذ مهام خارجية، كانت هي الغرض الرئيس لنشأته، ومع مرور السنين اختلفت خططه، بعد أن وجد ضالته ببعض العربان، ممن تحولوا إلى أدوات للجمهورية في المنطقة. ومن هنا ندرك كيف ارتهنت ميليشيا حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة والحوثي في اليمن في العراق للولي الفقيه.

المهم أن ما قصدت في مقدمتي من أن إيران تخشى على الدوام المواجهة، تثبته الاختراقات التي شهدتها الجمهورية خلال الأعوام الفائتة، خصوصاً من قبل الموساد الإسرائيلي الذي دخل إلى عقر دار النظام الإيراني ونفذ عمليات تعتبر في الميزان الاستخباراتي ناجحة بامتياز، في مقابل التهديد والوعيد الإيراني بالرد وأخذ الثأر، والاكتفاء بذلك. وهذا ما يفتح المجال على الدوام لزبانيتها في المنطقة العربية لتقديم التضحية، دون النظر إلى النتائج التي يعود بها الزج بدولهم في صراعات غير متكافئة من جميع النواحي.

أعود للحديث عن الطائرات المسيرة. فلك أن تتخيل يا صديقي أن المنطقة التي يزعم حزب الله انها متنازع عليها مع تل أبيب وأطلق صوبها تلك الطائرات، هو ذاته من افتعل أزمةً كبرى وعمل على تعطيل المفاوضات حول ترسيم حدودها مع إسرائيل. وبالتالي فقد جرد الدولة التي يتحكم بمفاصلها من رافد اقتصادي مهم، يكمن في الغاز المثبت وجوده بكميات ضخمة جدًا في قعر البحر. وهذا منتهى التناقض والصفاقة بلا جدال.

برأيي أن هذه العملية التي أقدم عليها حزب الله لها عدة أهداف، أهمها: تجديد الولاء والطاعة لصاحب الزمان والمكان في طهران. وإعطاء تل أبيب إشارة امتلاك السلاح المتطور؛ وحفظ ماء الوجه بعد أن هددت – أي إسرائيل – بتدمير لبنان. ومن ثم العمل على «دغدغة العواطف» لحشد التأييد، لا سيما أنه قال ذات مرة، إنه قادرٌ على منع إسرائيل من استخراج الغاز من الحقل المستهدف.

إن المواجهات الكلامية التي لطالما افتعلها السيد حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله في لبنان كصورة من صور مساندته للنظام الإيراني، ستضعه في خانةٍ ضيقه للغاية، دون أن يجد من يقف إلى جانبه، وبالتالي سيتحمل الإنسان أعباء أي حربٍ أقل ما يقال عنها عبثية بامتياز.

وحرب تموز 2006 لم تبتعد كثيرًا.

لا تزال صفحاتها قريبة إلى حدٍ ما.

كان المشردون والمهجرون أبطال العنوان.

نتيجة معادلة إيران.

جعل الشخص الخطأ.. يفعل الصواب.