المناداة بالشفافية من أكثر الأمور المطلوبة لأي جهة أو قطاع بشقيه الحكومي والخاص، وتتضاعف المطالبة بهذا المبدأ من قبل المؤسسات الإعلامية التي هي الأخرى دائمًا ما تناشد به. وكي لا يصبح باب النجار مخلعًا، فمن الأولى أن تكون المؤسسات الإعلامية هي المبادرة لتنفيذ هذا المبدأ وترجمته على أرض الواقع.

الحديث عن الشفافية يجب أن يكون بشكل مطلق لا منقوص، بشكل كامل لا اختياري بحيث لا يمكن أن تقدم نصف الحقيقة ويحجب الطرف الآخر منها. لأن ذلك لا يعدو عن كونه تضليلا، فإما أن تكون المعلومة المقدمة بمنتهى الشفافية، وإلا لا تكون، هكذا تقول القاعدة الإعلامية البسيطة.

ومن الأشكال الجديدة التي بدأت تظهر على السطح وتحديدًا في ممارسات شبكات التواصل الاجتماعي، ظاهرة حجب الردود على التغريدات. وهي خاصية ابتدعها تويتر وبعض أقرانه من الشبكات، الفكرة ليست في حجب التعليقات، وإنما في كيفية إصدار بعض الجهات بيان اعتذار أو توضيح تحت بند الشفافية في حسابهم بمنصة تويتر ومن ثم حجب خاصية الردود على هذا المنشور وتكميم الآراء، لتصبح هذه الشفافية ملوثة ومنقوصة.

إن عملية حجب تلك التعليقات، رسالة واضحة وصريحة بأن الجهة أو الشخص أو الوسيلة الإعلامية لا تكترث بالتعليقات وآراء الناس، ولا تتحمل أي انتقاد، وبالتالي كأنها تريد أن توصل رسالة مفادها أنها أجبرت على الشفافية أو الاعتذار، وإلا لما سلكت ذلك المنهج. وبالتالي فإننا نعود لنقطة البدء إذا كانت الجهة أو الشخص غير مقتنع بمبدأ الشفافية، فإن مسوغات اعتذاره وتبريره أيًا كانت، لن تصبح مقبولة بل لن تؤدي الغرض.

ومن زاوية إعلامية أخرى تتمثل في قياس ردات فعل المتلقي، فإن الجمهور حينما يجد أن حقه في الانتقاد أو الرد قد حجب، فإن عملية التعاطف مع المنشأة أو الشخص، تقل وتتزايد مرحلة الاحتقان، وبالتالي فإن بيان الاعتذار الصادر يصبح تحت بند «كأنك يابو زيد ما غزيت».

ومن ثم فإن التساؤل الأهم والأكثر غرابة، هو ما الذي تخشاه الجهات أو الأشخاص من الردود؟، فإن خاصية الحجب لن تمنع الناس من تناول قضاياك أو انتقادك أو حتى مهاجمتك. فهي شبيهه بفكرة (البلوك)، تجعل من الجميع يرى انتقادك سواك.

ومن المضحك المبكي ممن يمارس هذا التصرف من حجب تعليقات وتجاهل للردود أن يكون من ضمن الحسابات التابعة للمنشأة كحساب لخدمة العملاء! فأي عملاء تريد أن تسمع وتتجاوب معهم وأنت حرمتهم من أبسط أبجديات التعامل والتواصل.

لن أذهب للقاعدة التواصلية التسويقية «العميل على حق دائمًا» ولن أطالب الجهات بالمبالغة في الخضوع. لكني أطلب من الأشخاص والكيانات ألا يشوهوا جمالية الاعتذار، بإغلاق الردود وتكميم الأفواه، فهذه مرحلة ولت ولن تعود.