صوب نظرك هنا وهناك؛ تجد: رجلًا يكابد في سبيل الاحتفاظ بامتيازاته الذكورية، ولا يتوانى عن استعمال كل أشكال العنف من أجل فرض سيطرته، ويفعل كل ما بوسعه حتى يثبت للآخرين أنه وفي للنظام الجندري، وخير أنموذج معبر عن «الرجولة المعيارية».

بهذه الرؤية المكثفة تلخص أستاذة الدراسات الثقافية ودراسات الجندر بالجامعة التونسية آمال قرامي مسألة «الذكورية» وهي تقدم وتشرف على «أنماط الرجولة» الكتاب/ المؤلف الجماعي الذي ضم عددا من البحوث المهتمة بالدراسات الرجولية والدراسات الذكورية لعدة باحثين اشتغلوا على عدة عناوين منها:

أنماط الرجولة وتجلياتها في شعر الصعاليك، مفهوم الرجولة والنوع عند الصوفيات، أنماط الرجولة عند الكاتب المسرحي، الذكوريات والحرب: قراءة فضيحة سجن «أبو غريب» من منظور نسوي، «الألتراس» والانزياح الرجولي في ملاعب كرة القدم من الهامش إلى المقاومة، الرجولة المضطهدة داخل مؤسسة الزواج.

التواصل مع النساء

من الأنماط التي تعالجها وتتطرق لتفاصيلها أطروحات الكتاب:

رجل مستأسد في سبيل «الجهاد» ضد الكفار، والملاحدة، والمرتدين، والمخنثين، والمتشبهين بالنساء، و«اللوطيين»... يتمثل نفسه على أنه العارف بشرع الله، والملتزم بأنموذج «الرجولة الإسلامية الكاملة».

رجل آمن بأن مسار الهوية مركب ومعقد، وأن العناصر الأدائية تحتاج دائما إلى تعديل ومراجعة وضبط، فاختار أن يتصالح مع الأنوثة الكامنة فيه، وأن يتفاوض ويتفاعل و(يصنع جندره)، ويراجع سلوكه وخطابه ومواقفه، حتى لا يكون أسير المنقطات، والمتوقع ثقافيا من الرجل.

رجل ارتأى أن يكون في خدمة القضايا العادلة، وفيًا للمبادئ النسوية، داعمًا للحراك النسوي، مناصرا لقضايا مناهضة العنف، ومقاومًا للهيمنة الذكورية والتمييز على أساس الجندر والطبقة والسن والعرق... إنه «الرجل الجديد» المتقبل للإيديولوجيا النسوية، وما تفرضه من إعادة توزيع للأدوار على قاعدة الشراكة والإنصاف، ومناهضة الهيمنة والعنف... والمستعد دائما لتعلم أنماط غير تراتبية في التواصل مع النساء.

المحددات الذكورية

وتتعدد الأنماط الرجولية التي يقدمها الكتاب، والتي تعكس الثبات حينا، والتراجع عن مسار الخضوع التام للمنمطات الجندرية، أحيانًا ومنها:

رجل مولع بالرقص الشرقي أو الغربي أو الإفريقي.. يعرض ضروبا من الأشكال التعبيرية على الركح، ولا يرى في «تأنيث شكله الخارجي» ما يتعارض مع رجولته. لأنه يصر على تجاوز التمثلات التقليدية للرجولة، والدفاع عن تصور مغاير لقيم الرجولة وتجلياتها، والثبات تجاه حملات التنمر والتشويه والتهديد.

رجل شغوف بالتعبيرات الثقافية المتنوعة، مولع بوسائل التواصل الحديثة، ذاته، لا يجد حرجا في أن يعرف نفسه بأنه يوتبيور أو إنستر اغرامور أو تكتوكور Youtubeur, Instagrameur, Tiktokeur، إنه متصالح مع ذاته، يعرض خبراته في مجال الزينة والموضة، ويتفنن بصباغة شعره بألوان زاهية ـ تواكب الموضة، ويضع المساحيق وأحمر الشفاه، ويمزج بين المحددات الذكورية والمحددات الأنثوية، ويتلاعب بالرموز والعلامات الجندرية. متصالح مع ذاته.

تحليل الثوابت والتحولات

بين القيم المعيارية والجنسانية المعيارية، شكلت هذه الأنماط موضوع بحوث ودراسات غزيرة في الغرب منذ تأسيس الدراسات الذكورية والدراسات الرجولية - Masculinity Studies, Men Studies في ثمانينات القرن الماضي. وبعد عقود، بدأ اهتمام الدارسات وعدد من الدارسين العرب بإخضاع الهوية الجندرية والأنماط الرجولية والذكوريات للتحليل، خاصة في السنوات الأخيرة. وبالرغم من وجود مقاومة شرسة للبحاثة، وخاصة النساء المهتمات بتفكيك تاريخ الرجولة وتاريخ الفحولة، ومحورية الذكورة، وتحليل الثوابت والتحولات، والأدوار الجندرية، والتصورات الذكورية والهوامات، والأزمة الذكورية، وتماهي النساء مع السلوك الذكوري، ودفاعهن عن القيم الذكورية... فإن النظر إلى هذه المواضيع بعدسة نقدية صار اليوم ممكنا، وإن كان، في الغالب، خارج أسوار الأكاديميا وبمبادرات فردية.

نمط العلاقات الجندرية

رأت آمال قرامي أن الذكوريات (المهيمنة ـ المؤذية ـ المتسلطة...) تمثل المكون السوسيوثقافي الطاغي في العلاقات الاجتماعية، والذي يحول دون بناء علاقات تشاركية سوية، وتحقيق المساواة. وذهبت إلى أن تفكيك بنى الهيمنة والتراتبية الهرمية، ونمط العلاقات الجندرية، والتعصب الجنسي يتطلب وضع الذكوريات موضع جدية، وتحليل مفهوم الرجولة، والوقوف عند خصائص بنائها، والتأمل في تمثلات الذكورة والرجولة والفحولة والأبوة وغيرها.

وللوصول إلى بعض هذه الأهداف ارتأى الفريق المشارك في هذا المؤلف الجماعي أن يخضع بعض النصوص الأدبية والمسرحية والنصوص المرئية والتعبيرات الثقافية، وبعض المواقف والأحداث للتمحيص بحثا عن نمط محدد من أنماط الرجولة، ورصدا لأشكال التفاعل بين الذكورات المتعددة أو بين الذكورات والأنوثات.

الرجولة الناعمة

اهتم الباحث «خالد عبداوي» بشعر الصعاليك، ورأى أنه يعكس طرائق بناء الهوية الذكورية، ويعبر عن نمط من أنماط الرجولة التي ما زالت حاضرة «في عصرنا الراهن، وهي تلقي بظلالها على الأفلام والمسلسلات الدرامية التي تطرح قضايا سياسية واجتماعية مستلهمة من التراث الشعري الصعلوكي رموزها وأقنعتها ومعبرة عن رفضها للواقع السائد». وفق هذا التصور رصد الباحث في مقاله: (أنماط الرجولة وتجلياتها في شعر الصعاليك) «أنماط الرجولة التي يبنيها الصعلوك ويتبناها فتصبح دورا يؤديه وقناعا يرتديه لتحقيق غاياته ومآربه».

أما المقاربة التي اختارها «عبداوي» لتحليل مدونته الشعرية فقد تمثلت في توظيف بعض النظريات التي وفرت الدراسات الذكورية والدراسات الرجولية، ومفاهيم كـ«الذكورة المهيمنة والذكورة المتواطئة والذكورة الخاضعة والذكورة المهمشة» التي اقترحتها رايوين كونل - Raewyn Connell في كتابها «الذكورات» Masculinities (1).

الرجل في صورة المعادي للنساء

يقول الكتاب معترفا على لسان المؤلفبن: لا نزعم أننا قد تطرقنا في هذا المؤلف إلى كل أنماط الرجولة، ولا ندعي أننا قد حللنا كل الإشكاليات المتصلة بالرجولة والذكورات فذاك مشروع ضخم يتطلب انخراط عدد من الدارسين/ات والمختصين/ات في التاريخ والأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والتحليل النفسي وعلوم التربية، واللسانيات وغيرهم/ ن من المقتنعين/ات بضرورة تجاوز المنقطات التي تختزل الرجل في صورة المعادي للنساء وممارس العنف، والمتحيّز الذكوري، والمناهض للمساواة إلى مقاربة الرجولة من زوايا مختلفة.

ونقدر أننا صرنا اليوم بأمس الحاجة إلى تحويل الذكوريات المختلفة إلى موضوع للبحث، وتحليل خصائص الرجولة التقليدية، والرجولة المعاصرة، والتصور الأندروجيني، وتفكيك الخطابات التي تصاغ حول «الرجولة الكاملة»، و«الرجولة الجديدة» و«الرجولة الرخوة» و«الرجولة النسوية» وغيرها من التعبيرات الرجولية المحايثة. ونحن بحاجة أكيدة أيضا إلى إنتاج معرفة معمقة بالهويات الغيرية، وتطوير عدة منهجيات تسمح لنا بهتك أسرار مكتومة وإزالة الطلاسم التي تمنعنا من تفكيك بنيان الرجولة والفحولة وتقديم تأويلات مغايرة. «الذكورية/ الرجولية» (masculinity studies):

تيار نشأ في الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة

ركز على تحليل أدوار وقيم الرجولة عبر العصور والثقافات

تعرض الرجال لضغوط نفسية بسبب قوالب مفروضة عليهم من المجتمع

الكاتب جوزيف بلك (Joseph Pleck) عارض المفهوم التقليدي للرجال

شهدت سنوات العقد وما بعده أكثر من دراسة حول مفاهيم الرجولة وعلاقتها كهوية بالقوة

الرجولة والنوع الاجتماعي في التراث العربي تزخر المكتبة

العربية بدراسات حول تاريخ وصور المرأة

تندر الأعمال (بالعربية) التي تسلط الضوء على التصورات عن الرجولة.

«الألتراس» في ملاعب كرة القدم

ظاهرة بدأت في البرازيل أربعينات القرن العشرين

انتقلت إلى يوغسلافيا في الخمسينات مع فريق هايدوك سبليت

أسست مجموعات ألتراس سنة 1968 في مدينة ميلانو

من إيطاليا انتشرت ثقافة الألتراس، فوصلت إلى فرنسا وإسبانيا في الثمانينات

وصلت تونس سنة 2002، وهي من البلاد العربية الأولى التي دشنت أول عرض ألتراس