الأمطار في منطقتنا باتت تهطل صيفاً، وهذا غير معتاد. كثيرٌ منا يفرح بتلك القطرات، وقلة قليلة لا يهمها ذلك. يفسرون ذلك بأنه سحابة صيف لا تنفع البلاد والعباد، وهذا صحيح. والباحثون عن المواجهة والصدام ربما يخشون أن تطفئ تلك السحابة العابرة، بعضاً من لهب النار الذي يفوح من برميل بارود؛ مبنيٌ على أحقاد وحسابات شخصية. أغلب هؤلاء في العراق، حيث المشهد يدعو للتشاؤم، والتفسيرات تتضارب، والإعلام يتحارب، وسيف هذا حاضر، وسيف ذاك في غمده.

القصة ذات المعالم الواضحة أن طرفاً يريد استعادة بلاده، يواجه طرفُا مضادا يريد مواصلة رهنها للخارج لمكاسبه المبنية على السواد العابر للقارات، وفي نهاية الأمر الخاسر الأكبر هو الإنسان العراقي. لا سيما أبناء الطائفة الشيعية. الكل ينتظر لحظة الصفر، للتصادم مع ابن طائفته. والصورة بالمحصلة تشي بأن العراق ينتظر إيقاد النار، النابع عن تصادم «شيعي – شيعي».

والقضية نابعة من أن الجميع نفض غبار الثارات والأحقاد السوداء؛ وأدرك أن العالم يعيش أسرع مرحلة تغيير يعيشها على الأقل منذ نهاية الحروب الواسعة والعالمية. لم يتبقَ إلا شخصٌ واحد لم يفهم بعد. هو نوري المالكي نائب الرئيس العراقي ورئيس الوزراء وأمين حزب الدعوة في البرلمان العراقي الذي خرج يحمل السلاح؛ ويجول حول منزله وهو محاط بمفتولي العضلات. مسكينٌ هو كما يفهم الكل عنه وعن تاريخه. يخاف من كل شيء. حتى ظلال حراسه والمرافقين، ويفتقد الرسالة والمشروع الوطني، طائفي بامتياز، يعتقد أنه يستطيع كسر شوكة التابعين للتيار الصدري الذين اقتحموا مبنى البرلمان، ومن ثم نزلوا للشارع، اعتراضاً على حالة التبعية للجمهورية الإيرانية.

يتصور أنه بإمكانه كسب وقت المعتصمين ممن نذروا أوقاتهم وأرواحهم لاستعادة العراق المسلوب، وباتوا يعيشون على فتات الطعام، للوصول إلى مبتغاهم.

كتبت الأسبوع الماضي عن جبنه أمام ثقل من يشترك معه في المذهب والطائفة؛ لكنه يختلف معه في الأجندة والمشروع الكبير – أعني سماحة السيد مقتدى الصدر -. لدى نوري المالكي قناعة بأنه يملك الأدوات لخلط أوراق العراق لصالح النظام الإيراني. يتخيل أن بإمكانه معاونة طهران باعتباره أداةً وورقة وظيفية رخيصة تخدم الأجندة والأيديولوجية الفاشية الشيعية عابرة القارات. وما محاولات فرض المرشح لمنصب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي إن لم يكن مرشح الجمهورية الإيرانية، فهو على الأقل مرشح ميليشيات عصائب أهل الحق المتطرفة، التي تأتمر للحرس الثوري؛ إلا دليلاً واضحاً على سعي المالكي ورغبته الجامحة لاستمرار مواصلة رهن الدولة العراقية لنظام الولي الفقيه.

بالمناسبة فالسوداني للعلم، يتزعم حالياً قوى «الإطار التنسيقي» التي تضم جميع القوى السياسية الشيعية، باستثناء الكتلة الصدرية، وهو منشقٌ أو منفصل عن ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه المالكي، وأنشأ تياراً باهتاً من الناحية السياسية والشعبية.

يخاف المالكي مقتدى الصدر، كيف.؟ للمتتبع للشأن العراقي فهم الرسالة الصدرية التي تعتمد على محورين؛ الأول: استعادة الدولة ورفض التبعية، والإصلاح واقتلاع الفاسدين.

فقد قال الرجل في صفحته على منصة تويتر «إن الثورة التي شهدتها المنطقة الخضراء كمرحلةٍ أولى، لهي فرصة ذهبية، لكل من اكتوى من الشعب بنار الإرهاب، والظلم، والفساد، والاحتلال والتبعية. إنكم جميعاً مسؤولون. إما عراق شامخ، أو عراق تابع يتحكم به الفاسدون والتبعيون، وذوو الأطماع الدنيوية. حينها ليس أمامي إلا البكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة». ففي حديث «المواطن الصدر» كما يذيل خطاباته على الدوام، كثير من الألغاز والإشارات الواضحة. ما يريده الرجل بكل وضوح، هو وطن حر من أجل العراقيين، دون تبعية لأحد أياً كان، بعيداً عن الطائفة والمذهب. وهذا ما يعتبر حجر عثرة أمام المشروع الإيراني في العراق الذي ينفذه المالكي.

والصراحة المطلقة التي يتمتع بها مقتدى الصدر، هي نتاج شجاعة نابعة عما يدور خلف الأبواب الموصدة، فالحرب مشتعلة منذ سنوات في العراق بين أبناء الطائفة الشيعية، وتحديداً منذ مغادرة القوات الأمريكية للأراضي العراقية؛ وتسليم مفاتيحها على طبقٍ من ذهب للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والتناحر يتضح من خلال المناكفات الإعلامية بين زعماء الأحزاب السياسية، والشارع الشيعي يخفي ما صنع الحداد بين التابعين، والمؤيدين لتلك التيارات.

فالطائفة بعد أن اخترقها كثير من الخونة، انقسمت على نفسها.

ومن زاوية أخرى لا يمكن إغفال بقاء وزارة الدفاع والقوات المسلحة العراقية على الحياد. وهذا يعطي إيحاء بأن هذا القطاع عصي على الاختراقات «الإيرانية والمالكية»، وإلا تحولت الدولة إلى كتلة نار تأكل من يواجهها. والإثبات على ابتعاد الجيش عن المشهد السياسي، هو قول وزارة الدفاع العراقية في بيانٍ لها البارحة الأولى، «إن واجبها تضييق الخناق على المندسين، ومن يحاول خلق زعزعة في البلاد، وإن الأجهزة الأمنية تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة؛ ولا تتدخل في السياسة. وأي تصور يجعل قواتنا جزءا من الأوضاع السياسية، فهو لا يمت إلى الواقع بصلة».

وقولها (المندسين) يعطي إشارة على إدراكها أن أطرافا تتخذ من التبعية مصدر قوة في مواجهة الدولة. لكنها من منطلق كونها مؤسسة مستقلة، لا يمكنها الوصول إلى أبعد من هذا الاستشعار، وإلا ستجد نفسها غارقة في وحل السياسة، وهو ما سيفقدها ثقلها أمام الرأي العام؛ لا سيما ذلك الذي يتعلق بمضمونها السيادي. المهم أن هذا أحد أهم العقد التي يعاني منها النظام الإيراني وزبانيته في العراق، وهو أنهم لم يتمكنوا من اختراق وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، وهذا أصبح بمثابة «العصا في العجلة».

في مذكرات بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي؛ يذكر أنه لجأ لتعلم هذه الرياضة التي دخل من خلالها أبواب لم تُخال له، بعد أن سرقت دراجته. فقد أبلغ حينها رجل شرطة، تبين أنه مدرب ملاكمة؛ دعاه لمزاولة هذه الرياضة، وتحول إلى رمز عالمي حتى بعد رحيله عن الحياة.

والسيد مقتدى الصدر كذلك.

ليس لأن أحداً سرق دراجته.

بل لأنهم سرقوا وطنه.

تحول لملاكم بارع.

فلننتظر ونرى كيف

سيتلقى اللص المالكي..

الضربة القاضية.