عندما توفي الأوسطى مرسي السباك، كان ولده رزق شابًا صغيرًا لم يتزوج بعد، وأم رزق في ذلك الوقت جلست تبكي مع النسوان في الصالة، بينما الأوسطى مرسي يرقد ميتًا على السرير داخل الحجرة، وكان رزق يتصرف وهو متمالك لنفسه مثل أي واحد أكبر من سنه، يتحدث مع الموجودين على باب البيت ويتفق على ما يجب عمله، ويطمئن أخوته الصغار في شقة الجيران، ويدخل صالة بيتهم، ويصيح في أمه لكي تكف عن البكاء حتى كفت وهي تتطلع إليه مستغربة.

لكن أم رزق التي كانت تعرف أنها محتاجة مصاريف بسبب ظروف الوفاة، خلعت أساورها الذهبية من يدها وأعطتها لأم كريمة لكي تذهب وتبيعها، ثم أرسلت من يأتي لها برزق من الخارج، ودخل هو وقال: «أيوه يامه»، وهي أشارت له بعينيها أن يقترب، ولما خطا بين النساء الجالسات ومال عليها همست في أذنه أن يدخل ويأتي بالمحفظة من جيب أبيه.

رزق اتجه إلى الحجرة ووقف في المدخل الموارب، والحاج عباس كان مسجى على السرير والملاءة تغطيه كله، وكان الجلباب المقلوع معلقًا وراء مدخل الباب وفي جيبه كانت المحفظة، ورزق الذي لم يسبق له أن وضع يده في جيب أبيه أثناء حياته أبدًا، ظل واقفًا ويده قابضة على حافة الباب الموارب، ثم استدار إلى أمه من غير المحفظة، أم رزق عندما لاحظت ذلك، ورأت يديه الخاليتين، صاحت فيه بصوت سمعه كل الناس:

«هات المحفظة من جيب أبوك يا رزق»، ورزق رجع عند الباب والتفت إلى أبيه وقال: «لا مؤاخذة يابا»،

ومد يده في جيب الجلباب وأخرج المحفظة، أعطاها لأمه وغادر الشقة وهو يرتجف يبكي وينوح مثل النسوان، ولم يستطع أحد أبدًا أن يمنعه، منذ تلك الأيام أصبح اسمه عند كل الناس «رزق لا مؤاخذة».

وعندما كبر وتقدم في العمر والصنعة تزوج وخلف أولادًا، وأصبح اسمه «الأوسطى رزق لا مؤاخذة»، لو سألت أي واحد عن الأوسطى رزق وسكت، أو قلت الأوسطى رزق بن الأوسطى مرسي لن تجد من يعرفه لازم تقول: «الأوسطى رزق لا مؤاخذة» حينئذ يذهبون بك إلى بيته.

1999*

* روائي وكاتب صحافي مصري «1935 - 2012».