في الفترة الماضية تسببت التسجيلات التي قام بتسريبها الصحفي العراقي علي فاضل، والذي يقيم بأمريكا والمنسوبة لرئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي، في حالة احتقان وتفاقم الوضع الداخلي غير المستقر بالعراق.

وكان فحوى التسريبات هجوما لاذعا من المالكي على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وفي التسجيل المنسوب للمالكي يهدد بتسليح عدد من الفصائل لحماية النجف والمواقع الدينية بالعراق.

لقد تسببت هذه التسريبات في تأجيج الصراع الطائفي من جديد، ورغم أن الصراع هذه المرة بين فصائل شيعية إلا أنه تسبب بشكل مباشر في عدم القدرة على تشكيل الحكومة وانفلات الوضع الأمني.

وترى بعض التحليلات السياسية أن الولاء المطلق من المالكي لإيران قد يجعل من هذه التسريبات حقيقية، لاسيما وهي تشجع الفتنة الداخلية وتلمح إلى التخلص من زعيم التيار الصدري والمعروف ربما بمناهضته للتمدد الإيراني المطلق في العراق.

إن الأوضاع الحالية بالعراق توشك على الانفجار، ويمكن أن تتسبب في تدمير حقيقي للحلم والإصلاح بالعراق، ولغة التسجيلات المسربة هي لغة يغلب عليها العقائدية والتطرف على حساب الوطن والتراب، وفيها تلميح وتصريح إلى النيل من الثوابت الشرعية للدولة وإسقاط للمكونات الديموغرافية سواء كانت سنية أو شيعية أو كردية.

إن تسريبات المالكي أوضحت الدور الخفي الذي تلعبه أحزاب وميليشيات إيران في العراق، وأنها المتسبب والمستفيد الأول من عدم استقرار العراق، وفي المقابل فإن الموالين للمالكي يرون أن مقتدى الصدر عندما لم ينجح في تشكيل حكومة ذات أغلبية وطنية توجه إلى مهاجمة خصومه من خلال خطوات تصعيدية بدأت من خلال تقديم استقالات النواب من البرلمان، مرورا بالمطالبة بإعلان حكومة طوارئ بصلاحيات مفتوحة لحين إجراء الانتخابات.

وترى أطراف أخرى أنه ورغم القمع الذي يتعرض له الشعب العراقي فإن ما يحصل هو رسالة للنفوذ الإيراني وخسارته، وانحسار تمدده بأرض دجلة والفرات، إن الشعب العراقي يعاني حاليا من طموحات بعض السياسيين، والذين أصبحت أحلامهم وآمالهم السياسية لا تهتم بمعاناة الشعب، ولا تبحث عن إنهاء لهذه المأساة، ولكن ومع هذه الأحداث التي تعصف بالبلد، فهل يستطيع العراق تجاوز هذه الانقسامات ونبذ الطائفية والمذهبية والوصول إلى عراق قوي وموحد.

الحل الوحيد لتجاوز هذه المرحلة المفصلية هو التخلص من المشهد السياسي الحالي، والذي رسخ في المجتمع توجهات الطائفية والمناطقية والمحاصصة، وهو إرث تركه المحتل الأمريكي ويعلم يقينا أنه بذرة فاسدة لن يستطيع مثل هؤلاء الساسة اجتثاثها أو التخلص منها.

وأخيرا ربما من الصعب حاليا على العراق أن يجتاز هذا الوضع لا سيما في ظل غياب الوطنية والانقسام الطائفي والتشرذم المذهبي وسيطرة العملاء الداخليين والخارجيين على المشهد السياسي، إلا أنه ورغم الظلام الذي يحيط بالعراق فمازال الأمل كبيرا في أبناء وشرفاء العراق أن يسيروا مع التغيير، وأن يتجنبوا طريق المجهول، وأن يتفقوا على خارطة طريق تلفظ المذهبية والطائفية وتؤمن بالوطن والتراب والولاء، وترفض التدخلات والإملاءات.