رغم هذا تخرجت في كلية الطب، وهي في أوج فرحها، أعادوها للأرق نفسه، وللدوامة ذاتها، أيهما أهم تحقيق الطموح العلمي أو بناء أسرة سعيدة؟
هكذا اختارت إحدى الطبيبات الأكاديميات كلمتها لخريجات كلية الطب في جامعتها، أن تكون الأولوية لبيوتهن وأسرهن وأولادهن، لا خلاف في ذلك، وهنّ لم يستطعن الوصول لهذا اليوم إلا من خلال التوازن الذي خلقنه في حياتهن.
فهن فتيات، اخترن من بين كل أحلامهن الوردية أن يكنّ طبيبات، فكنّ.
الفتاة التي تستطيع أن تكون طبيبة تستطيع أن تفعل كل شيء، لماذا عليها أن تتخلى عن طموحاتها، لماذا عليها أن تختار تخصصًا يليق بها كأم وزوجة، هل هناك بالفعل تخصصات مفصلة بمقاييس معينة لتليق بالطبيبة الزوجة والأم؟!
هل عليها مثلاً أن تختار تخصصات مخبرية رغم أن طموحها أن تكون جراحة! أو طبيبة نساء وولادة، فقط للابتعاد عن ضغوطات طبيعة العمل!
إذا فكرت كل طبيبة بهذا الشكل فلن يكون لدينا جرّاحات أو طبيبات نساء وولادة وعناية حرجة، لأن الطبيبة عليها أن تختار تخصصات تحافظ بها على بيتها وأسرتها! بعيدًا عن طموحها.
في بداية الأمر أثاروا قلقها من العنوسة المحتملة فإذا ما أصبحت طبيبة، أخافوها من الفشل في الحفاظ على عائلتها إذا ما اختارت التخصص الذي ترغب!
ومن الأسئلة التي من الممكن أن تواجهها الطبيبة المتزوجة عند التقدم لبرنامج التخصص، إن كانت ترغب في الإنجاب أثناء سنوات البرنامج، سؤال أصنفه بأنه شخصي لا علاقة له بشروط القبول في التخصص.
أتذكر حينما أنهينا البورد أو برنامج التخصص وحضرنا حفل التخرج، قالت لنا سيدة عظيمة ترعى حفلنا، أنتن مهمتكنّ عظيمة فبجانب مسؤوليتكن عن أرواح البشر، مسؤولات عن إنشاء جيل للوطن كأمهات. شعرنا بالتقدير، بالفعل معظمنا كن لديهن أطفال وهن طبيبات، ومن مختلف التخصصات.
من اختارت أن تكون طبيبة، تستطيع الحفاظ على توازن حياتها، تخلق الوقت الذي تعيش فيه، وتتعلم، وتربي، وكثير منهن أبناؤهن طلبة في كلية الطب الآن، لأنهن ببساطة، لم يسخطن من أعمالهن، ولم يتحلطمنّ منها، بل مارسنّ الحياة بكل نضج علمتهن إياه الظروف الصعبة.
لكن هل الطبيبة الأكاديمية أتت بهذه النصيحة من مخاوفها الشخصية وتجربتها الحياتية، أو مما تعارف عليه الناس؟
الحقيقة أنني بحثت عن هذا المفهوم وهل عليه دراسات، فوجدت بالفعل هناك دراسات عديدة، وكلها أمريكية وواحدة بريطانية.
الدراسات الأمريكية، قامت على الاستقصاء، فدراسة عام 2019 ونشرت في مجلة JAMA Network Open، وجدت أن قرابة %78 من الأمهات الطبيبات أكملن تدريبهن وعملن بدوام كامل، بينما %11 عملنّ بدوام جزئي، و %2 لم يعملن من أجل أبنائهن.
بينما هناك دراسات أخرى درست تأثير الأمومة في الاستمرارية بالتخصص، فوجدت أن الطبيبات الأمهات في تخصص الجراحة والتخصصات التي تستدعي تدخلات جراحية أكثر عرضة بنسبة %50 في تغيير التخصص، أو تغيير المهنة، وأحيانًا التوقف عن العمل.
مازلت أقول إن الدعم الأسري هو الأساس في نجاح الطبيبة، بداية من دعم الوالدين، حتى تفهم الزوج ودعمه لطموحها، عليه أن يليق بهذا الطموح، لا حاجة لشراكة محبطة وهدامة، الأبناء سيكبرون بالهمة نفسها، ومجتمع العمل عليه أن يدعم الطبيبة الأم بإعطائها، إجازات أمومة كافية لرعاية مولودها، وساعات رضاعة أثناء العمل، الأنثى التي نجحت في أن تكون طبيبة ستعرف كيف تنجح كأم في أي تخصص كانت.