في مقطع فيديو قصير ظهر طفل سعودي يلتوي على أنفه أنبوب الأكسجين كي يبقى «حيا»، وكان الطفل يتحدث باللغة العربية أنه قد حضر presentation أو عرضا تقديميا سيلقيه يوم الغد أمام زملائه «الخواجات» في مدرسته التي بجوار المستشفى الذي يتعالج فيه في أمريكا، وبدأ بالحديث باللغة الإنجليزية بمخارج الحروف وبلهجة كـ«الخواجات» أو أفضل، وبالتقرب أكثر من حياة هذا الطفل فهو فهد بن محمد آل مخلص الذي عانى منذ سنوات من شبه تليف رئوي يحتاج على أثره لزراعة رئتين.

إلى هنا قد تبدو القصة عادية أو مكررة، ولكن بالبحث عن اسم والده محمد آل مخلص، ستجد أن أولى نتائج البحث هي «بطل العالم في رياضة الفنون القتالية» (الجوجيتسو)، فقد ذهب هذا الأب إلى أمريكا.

ولكن بالضغوطات النفسية التي مرت على «أبو فهد» من فراقه لأسرته في المملكة وبقائه مع ابنه الذي يصارع الموت، فقد قرر أن يخرج هذا الكبت الذي بداخله، فإما أن يكون رمادا تنفثه رئتاه ويستنشقه بأنفه بلا فائدة، أو يكون هذا الكبت يخرج كعادم القطار الذي على قدر ما ينفث فهو على قدر ما يشق الريح.

محمد آل مخلص دخل إلى هذه اللعبة كي لا يقتله اليأس وسواد الاكتئاب، وبمجرد أن وقف على قدميه أمام المدرب لأول مرة، نظر إلى عيني ابنه التي كاد ثقل المرض يهزمها ويسقط دمعتيها، فقال أبو فهد للفهد، في هذه اللعبة يا بني يكون الفوز فيها بعدم الاستسلام فقط، فعلى قدر تحملك بما يؤلمك به خصمك الذي تدرب على الإمساك بمناطق الألم لديك، بأقصى طريقة توصلك لأعلى درجات الألم، على قدر ما تجد طريقة للإمساك بخصمك بطريقة تؤلمه أكثر من ألمك، ومن لا يتحمل الألم فقط هو المهزوم.

فهل أعاهدك يا بني ألا أستسلم لهذا الألم مهما بلغ ذروته، على أن تعاهدني ألا تستلم للمرض مهما بلغت قسوته، فعلى قدر ما يمسك بك الألم، مستقويا بسوداوية ما يلقيه عليك من إحباط وهم، إلا أنك قادر على أن تمسك به من منطقة تؤلمه أشد مما يؤلمك، ولا يؤلم الألم وآهاته إلا الأمل وابتساماته، فعلى قدر ما تتألم على قدر ما تحض نفسك على الابتسامة، ابتسامة القوي بالله، الواثق أن المرض من الله، ولا يأتي من الله إلا خير، ولو لم يكن لك هذا الألم خيرا لما أذاقك الله منه ولو جرعة واحدة.

يا بني إن ما يهمني الآن ألا يرتفع علم فوق علم السعودية في هذه البطولة، وسأنهك نفسي في هذا الأمر الذي يجعل رأسي لا ينحني مطأطئا، بل يجعله مرفوعا شامخا لتخيل علم بلادنا وهو يرفرف في القمة عاليا، فلا يهمك يا بني إلا أن تبقي رأسك مرفوعا أمام جيوش الألم وضيق النفس، فلو لم تضق صدورنا بالأنفاس لما استشعرنا جمال زفيرها من صدورنا وكأنها تخرج من همومنا أثقلها، وترميها للبحر ليذهب بها، يا بني باختصار شديد قد تكون هذه الظروف ألمت بنا لنجيد «فنون القتال في اللعب والحياة».