ما الذي يحدد الطعام واللباس؟ عادة بيئة الإنسان، وثقافته، تحدد هذا، لذلك لكل بلد أطباقه المشهورة، ولباسه المعروف، الإنسان فُطر على حب الطعام، وأكثر ما يحبه، ما طابت نكهته واشتدت حلاوته، وزان مظهره.
طعام الإنسان البدائي، أكثر صحة، وأعظم فائدة من إنسان اليوم، فحسنت صحته وطال عمره. كلما تطور الإنسان كلما أصبح نمط حياته أكثر سرعة، وبالتالي اضطر لاختيار غذاء لا يستهلك الكثير من الجهد والوقت، وإن كان غذاء غير صحي، أو لا يلبي احتياجه من التغذية. في مجتمعنا ونتيجة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تغيرت العادات الغذائية، أصبحت مطاعم المأكولات السريعة أكثر رواجًا، والمشروبات الغازية والقهوة بالكريمة والنكهات المختلفة جزء من يوميات الناس، رغم حلاوة طعمها وجميل منظرها، وزكاء رائحتها، إلا أنها ليست بالخيار الصحي، فيصاب الإنسان بسوء التغذية.
سوء التغذية في زمن الرفاهية ووفرة الغذاء، صعب تصديقه، لكنها الحقيقة، حسب ما نشرته منظمة اليونيسيف وعلى مستوى العالم، أن 1 من كل 3 أطفال دون الخامسة يعانون من نقص التغذية أو زيادة الوزن، وهناك 2 من بين كل 3 أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر وسنتين من العمر لا يتغذون على الطعام الصحي الذي يدعم أجسامهم وأدمغتهم سريعة النمو، وهذا يعرضهم لخطر ضعف نمو الدماغ، وضعف التعلم، وانخفاض المناعة، وزيادة العدوى، وفي كثير من الحالات، الموت.
على الرغم من كل التقدم التكنولوجي والثقافي والاجتماعي في العقود القليلة الماضية، إلا أن هذا التقدم انعكس سلبًا على صحة الأطفال، فإذا كانوا يأكلون بشكل سيئ، فإنهم سيعانون صحيًا عند الكبر، في مجتمعنا مثلًا تزداد الإصابة بفقر الدم نتيجة نقص الحديد بالذات بين الإناث، حيث بلغت نسبتها 30–56 % وأغلبها بين طالبات المدارس، عادة يعود ذلك للعادات الغذائية السيئة منذ الصغر، وعدم تناول وجبة الإفطار، الذي من شأنه أن يقلل من الكفاءة الذهنية للطلبة ويقلل من النشاط البدني، لا أعتقد أن المقصف المدرسي، سيؤدي مهمة الإفطار الصباحي في المنزل، أولًا لأن ما بين بداية اليوم الدراسي حتى وقت الفسحة، هناك عدد من الساعات لا تقل عن ثلاث، وكذلك ما هي الخيارات الغذائية المتاحة في المقصف؟، وهل هي تحت إشراف مباشر من الوحدات الصحية المدرسية؟، رغم أنني أعرف أن هناك لجانا مسؤولة عن المقاصف المدرسية من بينها ممثل من وحدة الصحة المدرسية، لكن حقيقة، لا يزال إما جودة الغذاء المتوفر أو ارتفاع سعره، يعيق حصول الطلبة على وجبة غذائية صحية.
في يوم ما كانت هناك وجبات تُوزع على الطلاب، كانت متنوعة، لا يعاني فيها الطلبة من الازدحام ولا تنتهي الفسحة وهو ما زال واقفًا في الطابور ينتظر دوره. من الممكن أن يُحضر الطالب / الطالبة وجبته معه، ولكن أيضًا من المهم أن تتوفر فيها شروط الوجبة الصحية، كوجود الألبان، البروتين كالبيض، الحبوب الكاملة مثل الخبز الأسمر، وقطعة فاكهة أو خضار. مفهوم الإنسان عن التغذية يختلف ويتطور، مثلًا ما كان يُعتبر صحيًا سابقًا، لم يعد كذلك، وما اعتبر مضرًا أثبت فائدته.
البيض مثلًا كانوا يحذرون من كثرة تناوله، وأثبتت الدراسات أن تناول حتى بيضتين في اليوم لم يسبب أمراضًا في القلب للأشخاص الأصحاء، كذلك الزبدة التي استبدلت بالسمن النباتي، الزبدة أصبحت الآن خيارًا أفضل بكمية مقننة، وذلك لوجود زيوت مهدرجة في السمن النباتي، فلم يعد السمن النباتي الخيار الصحي الأفضل كما كان.
علينا أحيانًا كثيرة أن نضحي بالطعم من أجل الصحة، لذلك علينا أن نأكل بعقولنا لا بقلوبنا.