بعض الهندوس ينسبون لبول البقر خصائص طبية، حيث يؤكد (المواطن الهندي جيرام سينغهال 42 عاما، الذي يتعاطى بول البقر منذ أكثر من عشر سنوات، قائلاً:

أنا مصاب بداء السكري ولكن ما أن بدأت في شرب بول البقر انخفض مستوى السكر في دمي وأصبح قيد السيطرة، وأول شيء أفعله في الصباح هو تناول كأس من بولها، ويفد العشرات من الهنود إلى مأوى للأبقار يملكه دي سينغهال لتناول كأس طازج من بول البقر، وأفضل البول هو من البقرة البكر، حيث يصلح تماماً لعلاج السرطان وداء السكري والأورام والسل واضطرابات المعدة بجانب أنه علاج فعال للصلع، ويرى كثيرون أن الزيادة المطردة في أعداد شاربي البول ناتجة عن الحملات الدعائية التي ينظمها ما يسمون بالمعالجين الروحانيين) راجع جريدة الرياض (3 مارس 2014 العدد 16688).

كل هذا يحصل في القرن الواحد والعشرين والإنترنت رغم دلالته (الحداثية) أداة من أدوات نشر الدعاية لهذه المخلفات الفكرية، فتطور التقنية في ذاتها ليست عاصمة من (تخلف مستخدميها).

وعلى القارئ أن يتخيل سهولة إقناع هؤلاء الناس بإنشاء مصنع لتوزيع هذا البول في عبوات زجاجية أنيقة، والصعوبة الشديدة في إقناعهم بأن التجارة في لحم الأبقار على مستوى العالم أجدى من ذلك، ولهذا أوضح مقال قديم بعنوان (مثلث المنكرات) في جريدة الوطن صعوبة إدارة (الوعي العام) إلى درجة تكاد تكون أقرب للسريالية، حيث أوضح المقال أن (من أكبر الفساد والمنكرات أن تصنع الدول ظروفاً مناسبة لتحويل الدين إلى «تجارة» يروج فيها حتى «بول البعير» في قناني الشاربين، ويستنكرون ضرورات اجتماعية لوجود مشروبات تخص غير المسلمين بينهم).

ولهذا فإن (فضاء الإنترنت) بلا (عقل نقدي) يشبه (مكب النفايات الضخم) وستجد تجار (العلم المزيف) بصفتهم (جامعي قمامة) يعيدون تدويرها مع بهارات علموية، ولهذا فبإمكاننا القول: إن العولمة زادت الفجوة بين الثقافة والناس، فقبلها لن تجد من يكتب عبارته الخاصة، ويضع تحتها اسم أرسطو وينشرها في الفضاء الإلكتروني، أما ما ينسبونه زوراً لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي، فلا يمكن حصره، وكذلك مع بقية المفكرين والفلاسفة، ولهذا يمكننا القول بأن الثقافة الحقيقية مصدرها (الكتب) والإنترنت بإمكانه مثلاً في أقل من دقيقة أن يوفر للقارئ مجلدات (روح الشرائع) لمونتسكيو، ولكن قراءتها والاستفادة منها لن تكون في أقل من بضعة أسابيع، وتحميل هذه المجلدات بصيغة بي دي إف لا يعني أبداً أنها قد تحولت إلى معارف في البنية الثقافية للفرد ما لم يقرأها باهتمام (تلقائي/بالمعنى البليهي).

وللخروج من كل هذا علينا تأسيس أبنائنا فكرياً للخروج من عالم (مكب النفايات) الموجود بالإنترنت، والتخلص من (جامعي القمامة المحترفين)، ولن يتم ذلك بدون تأسيس معرفي قد يساعد في تكوينه قراءة (الأورجانون الجديد/إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة) لفرنسيس بيكون، وكتاب (التفكير العلمي) لفؤاد زكريا، ولمن يشعر بصعوبة في هذا النوع من الكتب فليبدأ بكتاب (الإنسان الحائر بين العلم والخرافة) تأليف الدكتور عبدالمحسن صالح سلسلة عالم المعرفة.

الإنترنت يمثل نقلة للبشرية أكبر من النقلة التي أحدثها اختراع المطبعة، وأثرها في البشرية لم يظهر بما يكفي حتى الآن لنرى سقوط (أيديولوجيات كلاسيكية كبرى وقيام أخرى)، لكن يكفي أنها (قاعدة معلومات) هائلة لمن يملك (القدرة العلمية) على استثمارها، ومن لا يملك تلك القدرة فسيتعامل معها كما تعامل العالم القديم مع الماء يشربونه ويسقون به الدواب والمزارع، فإن إصابتهم الملاريا بسبب البعوض في الماء الآسن ظنوها حمى بسبب المعاصي أو ابتلاء واختبار، بينما العقل العلمي انشغل بتحليل (الماء) حتى استخرج منه نقيضه (النار)، فقد فكك ذرات الماء لصناعة (مخلوط «الأوكسيهدروجين» وهو مخلوط انفجاري يستخدم في القوس الهيدروجيني لإنتاج شعلات اللحام وتحضير المواد الشديدة المقاومة للحرارة)، أما الملاريا فقد اعتبرها العقل العلمي من أمراض الفقر والتخلف في الزمن القديم، وأخيراً امتلاك (العقل العلمي) ليس عبر جولة في وسائل التواصل، بل رحلة طويلة جعلت راندال يؤلف كتاب (تكوين العقل الحديث) من جزءين.