كثيرًا ما نسمع عن الكذبة البيضاء، التي يلجأ إليها بعض الناس في الكثير من المواقف، من أجل منفعة شخصية دون أذى، وخاصة في بعض الجدالات العقيمة مع الآخرين.

ويبقى السؤال:

_ هل حقا هناك كذبة بيضاء وكذبة سوداء؟!

_ هل الكذبة البيضاء ستبقى دومًا بيضاء أم تتحول إلى شرور سوداوية؟ ظاهرها حَسَنٌ، وباطنها نقمةٌ ؟

_ هل الكذبة البيضاء تُتعب الضمير أم تريحه؟!

_ وهل حقًّا أنّ الكذب ملح الأرض كما يُقال ويُشاع؟

_ لو كان الكذب ملح الأرض،ماذا نسمي الصدق إذًا؟!!

_ أليس الكذب هو ذاته التدجيل والرياء والغش والنفاق والتلفيق والاختلاق؟!

_ هل صار الكذب حِرفَةٌ لا يجيدها إلا المحترفون بفنون الكذب؟!

_ هل من قانون يلاحق الأكاذيب، وهل يقدر على حماية بعض الناس؟

تساؤلات كثيرة، لكن جوابها واضحٌ، وهو أنّه مهما اختلفت المسميات عند البشر يبقى الكذب هو ذاته كذب.. فالكذب بشتى أنواعه يزعزع الثقة بين بعضنا البعض، ويؤدي الى النفور، فكيف سأبني علاقة طيبة وثقة متبادلة مع محيطي، إن لم أكون نموذجا في الصدق قولا وفعلا!!

ليست الكذبة البيضاء إلا بدعة اخترعها الإنسان للهروب من حقيقةٍ ما، فكلنا يعلم أن الأديان السماوية كلها نهت عن جميع أنواع الكذب، ومع ذلك يلجأ الإنسان أحيانا إليه، يا ترى لماذا؟ ما أسباب ذلك؟ وما الدوافع التي تجعلنا نكذب؟ هل الكذب يولد معنا بالفطرة، أم هو صفة متوارثة، أم سلوك اكتسبه الإنسان منذ الصغر، بطرق مقصودة أو غير مقصودة؟

كلنا نعرف عقابه عند ربنا، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: «ويلٌ للمكذبين» وعلى الرغم من التحذير والتهويل الإلهي لهذه الصفة الشنيعة، أصبح البعض لا يتجنب العقاب بل يستخدمه بدرجة كبيرة لإخفاء بعض الحقائق، حتى لا يقع في ورطة أو مشكلة ما.

فالتاجر يكذب لينفق بضاعته، ونحن نجامل الآخرين لأننا نرى فيهم مصالح شخصية مشتركة، هل أدركنا يومًا الآثار التي نتركها عند لجوئنا إلى الكذب، سواء على المرء نفسه أو على المجتمع المنتمي إليه؟.. كيف لمجتمع أن ينهض من كبوته أو ينمو ويزدهر، وهو يغرق في بحور الكذب المتشعبة؟!

أليست هذه الصفة هي مزية من مزايا الفوضى والاستهتار، والكثير منها يؤدي إلى مشاكل لا تُحمد عقباها؟!

إذن نستنتج مما تقّدم، أنّ الكذب ممارسة مقيتة في الإسلام، بل دناءة وسلوكٌ وَقح، ومفتاح لكل شر، ولم يُبح إلا في حالات استثنائية من باب الضرورة بطريقة راقية، وعادلة كالإصلاح بين زوجين متخاصمين مثلا، أو لمساعدة أشخاص فقراء عندهم عِزّة نفسٍ فلا يمدّون أيديهم لأحد، فنكذب من أجل إفادتهم لا إلحاق الضرر بهم، فما أروع قول الحقيقة مهما كان الموقف الذي أنت فيه محرجًا لك.. فعندما تعوّد نفسك على السلوك الصحيح وتنعكس نتائجه عليك، تسعد وتشعر بطاقة إيجابية حلوة.

وكذلك عندما ترى نظرات المجتمع تغيرت نحوك، فلم تعد تنظر إليك كشخص مراوغ أو محتال، تستمد الشجاعة والقوة وتِثبت شخصيتك وحضورك، وتقوى ثقتك بنفسك، فتخرج الكلمة من فمك بقوة دون خوف أو وَجَلٍ.

الكلمة الطيبة هي مفتاح الدخول إلى القلوب، فكيف لو كانت كلمة طيبة وصادقة؟ إنّ الله يحب الصادقين الخائفين من عقابه، الحامدين لِنِعَمِه.