المتلونون هم أكثر بني البشر دناءة. لا حدود لديهم في العلاقات القائمة على اللغة المصلحية،ولا يملكون أي شكل من أشكال الإنسانية. هذا على مستوى الأفراد. أما من ناحية علاقة الدول ببعضها البعض، فإنجلاء الصورة عن حليفٍ ما؛ واتضاح أنه يملك أكثر من الكذب، وأكثر من التزييف، وأكثر من التلون وتبدل المواقف؛ قاسٍ للغاية، لأن في ذلك اختلال لميزان علاقة طرف بطرفٍ آخر.

صحيح أن السياسة ذات مقاييس وأدبيات تفترض فن المُمكن، واللا مُمكن، والتعويل على المصداقية المنحدرة من ذلك فيه بعضُ من عدم الاتزان. بمعنى أن الثقة المطلقة بالسياسة ودوائرها إما أن تكون نقصاً في الوعي؛ أو ضرباً من الجنون.

هكذا هو المفهوم السائد، ولكن المصالح والتحالفات تستطيع تطويع السياسة والسياسيين،إلا إن كانوا حمقى.

قبل أسابيع قامت الدنيا ولم تقعد، والسبب انتشار نبأ مشاركة «طائرات انتحارية إيرانية» لمصلحة روسيا في الحرب الأوكرانية. إذ قال عدد من المصادر أن تلك الطائرات استهدفت مواقع في العاصمة كييف.

وللعلم، فمفردة «الكاميكازي» التي استخدمت في العنوان، تعود أو كنايةٍ عن خطة يابانية وضعتها إبان الحرب العالمية الثانية، بوجه القوات الأمريكية، واستمرت لمدة عام كامل، و نفذها طيارون يابانيون انتحاريون، عمدوا لقيادة مقاتلاتهم بأقصى سرعة، وبشكلٍ عامودي للاصطدام بالسفن الحربية الأمريكية في المحيط الهادي، عبر طلعاتٍ جوية بلا رجعة. لذا أطلق عليها هذا الاسم الذي يعني باليابانية «رياح الإله – أو الرب».

المهم أن ذلك الخبر أخذ منحى تصعيديا ًبدأه الغرب والولايات المتحدة الأمريكية؛ لأغراضٍ سياسية بحتة. وحتى مجلس الأمن دخل على خط «الكاميكازي»، حيث رحب باعتزام الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، طرح ( نقل أسلحة إيرانية إلى روسيا) على الطاولة في اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي. وتزامنت تلك الدعوات مع طلب العاصمة الأوكرانية كييف خبراء من الأمم المتحدة لفحص بقايا تلك الطائرات، التي تقول إنها «إيرانية الصنع».

حينها نفت الخارجية الإيرانية صحة تلك المعلومات، وفي الحقيقة لا يمكن تصديقها.

بينما اكتفت موسكو بالقول :( إن إرسال خبراء أميين لفحص المسيرات أمرٌ غير مشروع). وعلى الرغم من هذا النفي الروسي «غير المعلن»، ورغم تأكيد ديميري بوليانسكي نائب السفير الروسي في مجلس الأمن، بأن تلك الطائرات صنعت في بلاده ولا علاقة لطهران بها، إلا أن بعض الآراء الإيرانية ترى في ذلك محاولة روسية لتوريط طهران في الحرب الروسية. لماذا.؟ لإيجاد شريك في الحرب الروسية ضد أوكرانيا،وهذا من شأنه قسم العقوبات الغربية على إثنين( روسيا وإيران)، وهذا رأي يحتمل الصواب والخطأ.

ومن حيث المنطق، وبالنظر للقوة العسكرية الروسية، أتصور أن في ذلك الرأي بعضٌ من المبالغة أو محاولة لتشتيت الانتباه عن أمرٍ ما. فلو صح أن هناك رغبة روسية في استدراج إيران للمستنقع الأوكراني، فسيكون ذلك لتأديبها، نتيجة انقيادها وراء المعسكر الغربي والأمريكي لتسوية الملف النووي، دون إبلاغ واستشارة ووضع الحليف الروسي الافتراضي لإيران في الصورة، أو لأن الميليشيات الطائفية الإيرانية في الأراضي السورية قد أنهكت الجيش الروسي. هذه قد تكون وجهة نظر تحتمل النقاش وليس التصديق والاقتناع بها.

أتصور أن الرأي العام العالمي يشهد تذبذباً كبيراً جراء تلك المواقف، التي بات البعض منها مساحةً واسعة للتندر، لاحتوائها على كثير من الصفاقة،كيف؟

الجواب: أليس الغرب والولايات المتحدة من سعى وراء استرضاء الجانب الإيراني، لطلب إنشاء أرضية لتسوية ملفه النووي، دون النظر للجرائم التي ترعاها طهران في المنطقة، كالصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار، التي يمد بها الولي الفقية ميليشيات شيعية في العراق، ولبنان، وسورية واليمن!

أولم تكُن تلك الطائرات المسيرة التي تم مهاجمة المملكة العربية السعودية بها – وهي الحليف الإستراتيجي – لأوروبا وواشنطن، والممول الأول للطاقة في العالم، والمحافظ على استقراره، وقد كان استنكار الغرب لتلك الأحداث المتكررة ضد المملكة، يشوبه نوع من البرود الأقرب إلى الصمت، الذي فهمه الإيرانيون على أنه رضا، دفعهم للاستمرار في الإرهاب والتطرف، ونشره على أساس مذهبي وطائفي مقيت.

يمكن القول إن تلك الحملة التي شنتها الدول الغربية بخصوص استخدام الطائرات بدون طيار، وقالت علناً إنها قادمة من إيران، تستهدف «شيطنة روسيا»، لا مواجهة ومحاسبة طهران بحقيقة نظامها، الذي أسهم في نشر الفتنة والاقتتال على المستوى الإقليمي والخارجي، واجتهد في تغذية أتباعه على كره كل من يعارضه ويختلف معه على أساس ديني فاشي، وارتد مع الوقت على الداخل، وذهب ضحيته آلاف المتظاهرين والمنتفضين بوجه علي خامنئي خلال أيام مضت.

الخلاصة التي يجب قولها دون مجاملة، إن النرجسية السياسة الغربية والأمريكية أزكمت الأنوف، رائحتها نتنة، والحقائق والأحداث تكشف عن ذلك.

هم إما حمقى.. أو أغبياء، يهابون خامنئي وهوطريح الفراش، بين حياة وأخرى.