يُعد التطوير المِهني للمعلم، بمثابة الذَّخيرة التي يتزود بها، للتعايش مع الواقع التعليمي الحالي، والمناسب للقرن الحادي والعشرين ومهاراته وتوجهاته، وما يقتضيه من تطوُّر في مختلف المجالات، كيف لا! وتطوير المعلم: إحدى ركائزه المبتغاة، الذي يُعد مدخلًا من الأهميَّة بمكان في تعلُّم الطالب وتعليمه، والارتقاء بالعمليَّة التعليميَّة.

فتطوير المعلم ينعكس أثره بشكل إيجابي عليه نفسه من جهةٍ، والعملية التعليمية برمتها من جهة أخرى، فالطلاب معقود نجاحهم ونبوغهم وتميزهم من خلال المعلم، ليكونوا صانعي المستقبل وبُناته.

ولعلنا لو أمعنا النظر في الدول المتقدمة وكيف تقدمت، لوجدنا أن البداية انطلقت من المعلم، حيث سعت وزارته إلى تطويره منذ التحاقه بمهنة التعليم، من خلال برامج، وآليات، وأساليب تدريسية جعلته مؤثرًا وخبيرًا، وليس مجرد معلم يلقن الدرس وكفى! وامتد ذلك التميز للطلاب، حيث أصبحوا مؤثرين ومساهمين إيجابيًّا، ومتقدمين في جميع المجالات.

فدولتنا الحبيبة – أيدها الله - وفي ضوء رؤيتها المباركة الطموح 2030مـ، تبذل الغالي والنفيس من أجل المعلم وتطويره، ولم تألُ جُهدًا في ذلك، حيث زوَّدت وزارة التعليم بميزانية ضخمة سنويًّا، للارتقاء بالعملية التعليمية في شتى المجالات، والتطوير المهني للمعلم أولها؛ إيمانًا منها بأهمية تطوير التعليم، لانعكاس ذلك على مستقبل الوطن المعطاء وأبنائه.

فالتطوير المهني هو الأساس والمهمة الأولى، فمتى وجد التطوير وجدت معه الإنتاجية، واتضحت نتائجه للجميع.

والتطوير ليس كلمة يلقيها المطوِّر أمام المستفيدين، ويقلب صفحات الباور بوينت، فذاك خطأ جسيم يرتكبه المطوِّر في حق نفسه، وحق المستفيدين، لعدم الاستفادة من الدورة التطويريَّة.

فالمطوِّر المدرِّب أولًا: يحتاج إلى مهارات ذاتية وأساليب يؤثر بها على الآخرين. وثانيهما: التطوير، فهو يحتاج ممارسة وتطبيقًا عمليًّا يطلبه الموقف التطويري، إضافة لجزء نظري بسيط، ثم ينطلق بعدها ليشاهد ذلك حقيقيًّا على أرض الواقع، من خلال ما يقوم به معلمون مبدعون، وقادة متميزون، ليستفيد من خبراتهم تلك ويطبق ما اكتسبه من خبرات ومهارات عند عودته إلى مدرسته، ويفيد زملاءه الآخرين.

والشيء بالشيء يذكر أتذكر ذلك المطور، الذي عندما انتهى من الجزء النظري، انطلق ووكلاء المدارس بزيارة خاصة، ليشاهدوا بأعينهم التطبيق العملي لهذ الممارسات، في إحدى المدارس المتميزة تعليميًّا وإداريًّا، وتعاملوا مع الطلاب ومشكلاتهم السلوكية.

ولعلي أقول إن التطوير النظري بدون تطبيق، سرعان ما يُنسى ويذبل ويذهب أدراج الرياح، فالتطوير النظري كمن يتعلم السباحة بدون ممارسة، وعندما يأتي المحك يغرق.

صحيح ولا ينكر ذلك عاقل، أن وزارة التعليم بذلت جهودًا كبيرة من أجل المعلم وتطويره، من خلال العديد من البرامج التطويرية، ولعل من أهمها البرنامج العالمي: برنامج «خبرات»، وهو برنامج متقدم جدًّا، ولكن الالتحاق به قليل، بسب المقاعد المحدودة لكل منطقة، وهنا أتساءل، لماذا لا يكون هناك برنامج خبرات داخليًّا موازيًّا لبرنامج خبرات العالمي؟.. ومن هنا لعلي أقترح بعض الاقتراحات التي تثري الميدان التطويري من وجهة نظري وهي:

• الاستفادة من المبتعثين لبرنامج خبرات، لكونهم مُحملين بخبرات كبيرة تُثري الميدان التربوي.

• إقامة برامج داخلية موازية لبرنامج خبرات العالمي، لكون جامعاتنا ومدارسنا – ولله الحمد- تزخر بالكفاءات المتميزة والمبدعة، والذين يضاهون أقرانهم في الدول العالمية، من خلال الاحتكاك المباشر بهذه الخبرات الداخلية، ويكون ذلك بحصر من يمتلكون تلك المهارات من:

«أعضاء هيئة تدريس، ومعلمين، ومشرفين، وقادة مدارس، ومدارس، وجامعات» وإيفاد المعلمين لهم، سواء كان ذلك فصلًا دراسيًّا كاملًا أو سنة كاملة، حسب ما تقتضيه طبيعة البرنامج التطويري، لأن ذلك ينتج عنه خبرات ومهارات جديدة تنعكس على الميدان التعليمي.

• وضع معايير وشروط لقبول المتقدمين على مراكز التطوير، ليكونوا مطوِّرين «مدربين»، ولعل أبرزها أن يكون المتقدم من ذوي الخبرة، والمهارة، ممتلكًا لمهارة الإقناع والتأثير، ومشهودًا له بالكفاءة التدريسية، حيث يتوقف قبوله على إقامة دورة تطويرية، تحضرها لجنة من خبراء التطوير لمشاهدة هذا المطور، المتقدم لشغل هذه المهمة عن كثب والحكم على صلاحيته للتدريب من عدمها، وعند اجتيازه يحصل على رخصة التدريب في مجال التعليم.

• تبادل الزيارات بين معلمي الحي الواحد، من خلال اجتماع يعقده قادة تلك المدارس، متضمنًا جدولًا يحدد أوقات تبادل الزيارات، مع عدم الإخلال بالعملية التعليمية.

• أن يكون التطوير في الجانب الذي يحتاجه المعلم، ويكون التحديد من خلال قادة المدارس، والمشرفين، مع توافر أداة قياس صادقة.

• ضرورة عقد البرنامج التطويري، في الوقت الذي يناسب وقت المعلم، ويستحسنه، بعيدًا عن أوقات راحته، ويفضل أن يكون وقت الدوام الرسمي.

• اطلاع الهيئة التعليمية في المدارس والمشرفين، على كل ما هو جديد في مجال التربية والتعليم، من خلال بروشورات، أو مقاطع فيديو يوزع على المدارس، ويقوم قائد المدرسة أو مدير القسم ببثه على فترات ليشاهده الجميع، من خلال منسق التطوير بالمدرسة أو القسم.

• حصر المعلمين ذوي الأداء المنخفض سنويًّا، وتحديد احتياجاتهم، ليكونوا من ضمن المستحقين للبرامج التطويرية القادمة لتطوير أدائهم.

• بناء الاحتياجات التطورية على المستجدات التربوية، وما يتطلبه واقع النظام التعليمي.

• مراعاة المعلمين القدامى، من قبل المطور، ويكون لهم تعامل خاص، مع الاستفادة من خبراتهم الطويلة في الميدان، أثناء البرنامج التطويري، وعرضها أمام زملائهم المتدربين.

• إرسال استمارة إلكترونية للهيئة التعليمية والإدارية في المنطقة، للبرامج التي يحتاجونها وتلبي رغباتهم، وهذه الاستمارة تعدها مراكز التطوير المهني، متضمنة الاسم ورقم الهوية، وتكون فقط خاصة بالمنطقة، ولا تقبل غير منسوبيها، لتكون مقتصرة عليهم، ثم تدرسها مراكز التطوير وفقًا لعدد المتقدمين للبرنامج من مختلف التخصصات، وأن يكون بتوازن تام بين المدارس.

وختامًا أقول: إن التطوير المهني هو السلاح الأقوى، في مسايرة التغيرات التربوية والتعليمية ومستجداتها، وأمر ضروري وحتمي للنهوض بتعليمنا، وصنع الأجيال المبدعة.