فيما يؤكد كثيرون أن الصداقات التي تنشأ في العالم الافتراضي، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، باتت متاحة وسهلة وأقل تكلفة من نظيرتها الواقعية، وحتى أنها أكثر يسرا في التخلص منها، أصر آخرون على أنها تبقى قاصرة عن أن تحقق متطلبات الصداقة الحقيقية الواقعية، بما تحتاجه من وقت وربما كلفة للخروج، ومقابلة الأصدقاء والالتقاء بهم.

الصداقات الافتراضية

طغت الصداقات الإلكترونية لكثيرين على صداقاتهم التقليدية، التي تحتاج إلى تبادل الزيارات والتواصل الهاتفي، وبات كثيرون يستعيضون عنها بالتواصل والتلاقي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة المناسبات والأحداث عبر الإنترنت، بفضل التقدم الكبير الذي حققته التقنيات الجديدة، التي تسمح لمستخدميها بالتفاعل مع بعضهم البعض أينما كانوا، متجاوزة متطلبات الجغرافيا وكذلك تباين الثقافات.

وسهلت مواقع التواصل التعرف على أشخاص جدد وتكوين صداقات ومشاركة الاهتمامات والهوايات، وساعدت على الأخص أولئك الذين يتسمون بالخجل ويمتازون بالانطوائية، على التواصل مع الآخرين دون صعوبة.

الصديق وقت الضيق

«الصديق وقت الضيق» مقولة يترنم بها الأصدقاء، لكن البعض يعتقد أن هذا الزمن الجميل ولى، ولم يعد للأصدقاء الحقيقيين وجود، حيث تتكرر حسب هؤلاء قصص تملص الأصدقاء عند طلب العون.

تقول دعاء خالد إن «الصديق الحقيقي لم يعد موجودا في حياتنا.. بتنا اليوم في زمن المصالح، فلم يعد الصديق وقت الضيق موجودا، فهو ينسحب فجأة عندما تقع في أي مشكلة أو ظرف صعب».

وتوافقها مرام حسن في الرأي، وتؤكد بدورها أنه لم يعد للصديق وجود، وأن الصداقات اختفت في هذا الزمن، الذي بتطوره أدى إلى انشغال الناس، وأصبحت الأجهزة الذكية تشغل الوقت، حيث يمضي الإنسان معها وقتا طويلا دون تحمل عناء اللقاء، وهي بما توفره من ألعاب وتسلية وترفيه ومعلومات وأخبار، تغني أحيانا عن وجود الأصدقاء.

وترفض سلمى محمد مقولة غياب الأصدقاء الحقيقيين اليوم، وترى أنهم موجودون، ربما في الجيل الأقدم، وليس في الجيل الجديد، الذي لم يتعرّف على الحياة قبل وجود الجوالات ومواقع التواصل، ولا يزال الإنسان يحتاج إلى صديق يقف معه في السراء والضراء، وأنا كأم أقول إن علينا الانتباه إلى أبنائنا وبناتنا من الأصدقاء المزيفين على مواقع التواصل، فهناك خطورة على الصغار منهم، خصوصا مع ميل هؤلاء الصغار إليها لتمضية الوقت.

قناع مزيف

توضح الأخصائية الاجتماعية وفاء الغامدي، أن «الصداقات الافتراضية جيدة ومفيدة، فهي تستقطب عددا من الناس حول العالم، وتتيح التعرف على مختلف الثقافات، لكنها لا تغني عن الصداقات التقليدية، فهي لا تمكن الأشخاص من الالتقاء وجها لوجه، ولا من تشارك لحظات الضحك معا، ولا تتيح لهم الوقوف مع بعضهم بعضا في كافة الظروف، والتشارك في المناسبات السعيدة، سوى بكتابة بعض الكلمات المعبرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الناس لم يعودوا يرغبون في بذل الجهد والوقت للقاء الأصدقاء، فالحياة أصبح إيقاعها سريعا جدا».

وتضيف «مع ذلك، فإن للصداقات الافتراضية سلبيات عدة، مثل أن الشخص لا يعرف حقيقة الآخر، الذي يمكن أن يظهر بقناع ويعطي معلومات غير حقيقية وقد يختفي فجأة، أو أن يستخدم اسما مستعارا، لذا أوصي بضرور إيجاد توازن بين الصداقات الافتراضية والصداقات الواقعية، فإنه في حالات نادرة فقط، تنمو الصداقات الافتراضية والشخص الذي قمت بإضافته لتتحول العلاقة معه إلى علاقة واقعية».

الوفاء والإيثار

تبيّن مدربة تنمية الذات مونة عفيفي، أن الصداقة الحقيقية تمثل في جوهرها الصدق والوفاء والإيثار والمحبة والإخلاص والمواقف، ويعرف الصديق وقت الضيق، بينما الصداقة التي تتشكل عن طريق الفيس بوك أو تويتر، ويستخدمها عدد كبير من الناس فهي مفيدة للعاملين في مهن معينة مثل التجار والإعلاميين وغيرهم، فهي وسيلة جيدة للتواصل الاجتماعي ونقل الأخبار، والحصول على الأصدقاء عبرها يكون سهلا، لكن بعض الناس يضعون أسماء مستعارة، أو بعض الشباب يظهرون بأسماء بنات أو يرسلون صورا غير لائقة، وهذه مخالفة للعادات والتقاليد والمبادئ.

وتضيف «الأصدقاء جزء مهم في حياة كل فرد، واختيار الأصدقاء جزء مهم لاستمرار الصداقة، والتحدث مع الصديق وتبادل الأسرار وقضاء الوقت معه، من الأمور الممتعة التي تساهم في زيادة الطاقة الإيجابية ورفع المعنويات، والصديق حافظ للأسرار، ويقدم النصح، ويفرح لتقدمك ونجاحك، ويعتذر عند الخطأ».

وتقول إن «الصداقة الحقيقية لا علاقة لها بالمكالمات الطويلة، ولا التواصل اليومي واللقاءات الكثيرة، فالموضوع أعمق من ذلك، والصديق الحقيقي هو الذي ترى نفسك من خلاله وإن تاهت نفسك منك تجدها عنده، لا يطلب منك التعبير عن حبك له ولا شوقك، فهو يدرك أين مكانه في قلبك، يدرك مكانه المختلف جدا عن الآخرين».