نعيش هذه الأيام فترة الحماس الذي يضم داخل محيط دائرته مجموعة مشاعر تتأرجح بين نشوة الفوز وإحباط الهزائم، وبين الضحك على مقاطع طريفة على هامش المونديال، ومقاطع أخرى مستفزة لا تليق بالحدث الرياضي ولا بالدولة التي استضافته بتنظيم وجهود جبارة جديرة بالإشادة والاحترام.

لن أتحدث عن الكرة وسباق المنافسة على نقاطها، ولا عن مستوى المنتخب السعودي الذي واكب الإنجازات الأخرى في وطني، ورغم خسارته من بولندا وما صاحبها من أخطاء، إلا أن التغير الإيجابي الملحوظ في مستوى المنتخب بشكل عام، وفوزه بعد توفيق الله بجدارة على منتخب الأرجنتين، يشفع له كبوة الجواد، والتي كلنا أمل بالله ثم صقورنا الخضر على أن يحقق المرجو منه في مباراته القادمة مع المكسيك، ولن أتكلم أيضا عن الفرح العربي بتأهل المنتخب المغربي الذي أدخل البهجة على شعوب لغة الـ ض كلها.

سأكتب عن تلك التصرفات المستفزة التي تحاول خدش الصورة الجمالية للمونديال، وتشويه النجاحات العظيمة التي حققتها دولة قطر في ترتيب وتنظيم هذا الحدث الذي يعد من أكبر الفعاليات الرياضية العالمية. والتي بدأت من قبل ببث رسائل سلبية ومبالغات وأكاذيب تستند على الحقوق وما أدراك ما الحقوق المطالب بها نحن والمعفي منها – دول الحقوق – إن كان هدفهم حقيقة – الحقوق.

الإعلام الغربي شغل العالم برسائله السلبية عن حقوق العمال بمجتمعاتنا بقصص دراما تصلح لأفلام هوليودية، رغم أننا من أكثر المجتمعات في العالم التي تراعي العمال وتعاملهم بالرحمة والتراحم بالفطرة، كواجب ديني قبل أن يكون بواعز من الضمير الإنساني، وطبعا لا ننكر أن هناك نسبة قليلة ممن يتجاوز بلا ضمير، ولكنها حالات لا تمثل السمة الغالبة للمجتمعات التي تعرف جيدا كيف تراعي حقوق البشر، وهؤلاء ممن انعدمت إنسانيتهم، لهم القانون ضابط ورادع في ظل سبات ضمائرهم، ولكن ومع كل هذا لو طرحنا سؤالا بسيطا، بعد مقارنة سريعة منصفة بين مجتمعاتنا والمجتمعات الغربية، ورغم كل القوانين والمنظمات والهيئات والهالات الإعلامية.. هل شعوب المجتمعات الغربية تراعي فعلا حقوق العمال من الأقليات أو الجاليات مختلفة العرق والدم والجنسية في بلادها، أم أن هناك من يتجاوز رغم كل الضوابط.؟

والعاقل سيرى أن الإجابة السهلة الممتنعة عن هذا السؤال ستحسم النتيجة بالفوز الساحق لصالح مجتمعاتنا.

ومن بعد.. شغلنا العالم الحقوقي المتمرد على الفطرة البشرية بحقوق الشواذ – ولن أقول المثليين – لأني سأسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية.. التي تصف حجم الخلل بدقة.. كما أننا رغم رفضنا التام دينيا وأخلاقيا وصحيا واشمئزازنا من هذا الحق الغريب ورفضنا له كحكومات وشعوب في مجتمعاتنا الشرقية، إلا أننا احترمنا ثقافات الدول الأخرى، ولم نحاول أن نفرض رأينا وقناعاتنا وثقافاتنا فيما يخص ذلك في المناسبات أو المحافل الدولية التي نشارك بها. وهذا هو المعنى الحقيقي للحرية ومراعاة الحقوق، لذلك فمن غير المقبول، ولا من الدبلوماسية أن يتجاوز بعض المشجعين من بعض الشعوب أو لاعبي المنتخبات، قوانين وأنظمة الدولة المضيفة وثقافة المجتمع، والأخطر من ذلك أن يتحايل ذوو المناصب العليا في بعض الدول على الأنظمة لخرقها، فارضا رأيه بقوة تخالف كل أنظمة الدولة المضيفة وثقافة أمة كاملة، بحجة مرونة الحقوق التي أصبحت من جهتهم كالمطاط المتصلب الذي تفتت وانقطع من كثرة ما تخزن على أرفف مطالباتهم الحقوقية التي لا تناسب غيرهم من الثقافات، ومع ذلك يصرون على تصدير بضاعتهم الحقوقية الفاسدة إلينا.!

ولكن الأمل بعد الله بقوة توازي قوة تحركهم في مواجهة هذه الحقوق التي يراد لنا أن نتقبلها عنوة.. وصوت قوي مسموع يوازي علو صوتهم لتكون القوى الحقوقية متعادلة.. وهذا بدأ ولله الحمد باستنكار وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي ورفضهم لجميع الحملات الإعلامية الممنهجة والمغرضة والموجهة ضد دول مجلس التعاون في محاولاتها للنيل من نجاحاتها وإسهاماتها في المحافل والفعاليات الإقليمية والدولية، وكذلك في تأكيدهم لتوحدهم لمواجهة المنصات المخالفة للقيم الدينية والأخلاقية والتركيز على المحافظة على الأسرة وتماسكها وتنميتها بصفتها الوحدة الطبيعية والجوهرية للمجتمع وتقدمه وازدهاره..

نحن دول لها سيادتها وحريتها في الرفض أو القبول، وأعتقد أن الظروف والمواقف المحلية والعالمية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أننا شعوب نتمتع بمرونة فائقة في تقبل الثقافات المختلفة والانفتاح عليها ولكن بما لا يتعارض مع معتقداتنا الدينية ولا هويتنا المجتمعية ولا سيادتنا أو مصالحنا، وهذا ما يجب أن يفهمه العالم المطالب بحريات مائلة الأطراف.