وطن يبني مستقبله بدأب، بعد أن شيّد صروح حاضره، هذا القول أقرب ما يمكن أن أصف به وطني المملكة العربية السعودية، والذي انطلق في 25 إبريل 2016، بإصلاحات شاملة، هي في نظري الإصلاحات الأشمل والأكمل، والأكثر دقةً وعمقًا في مسيرة الدولة السعودية من 22 نوفمبر 1727، حيث صبت الإصلاحات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والفكرية والحضارية، في صلب تغير وتغيير مجتمعي غير مسبوق لمجتمع خليجي.

كان عاما 2016 و2017، هما عاما جرأة الموقف، وجرأة القرار السياسيين، واللذين -أي الموقف والقرار السياسي السعودي- حملا منظومة الإصلاح السعودي الجديدة على أكتافه، ليشاهد المجتمع السعودي في غمضة عين يحلق بعيدًا باتجاه النور والحياة والعالم.

وكان من الضروري عمل إجراءات تصحيحية معينة، تستلزم اللجوء لشد الحزام، تمهيدًا للوصول إلى مستقبل الاستدامة والوفرة والرخاء، الذي يفصح عنه كل حرف في رؤية السعودية 2030.

فما الذي حصل لنا في 2022؟ سأجيب من خلال ما كتبه الأستاذ عبدالله العلمي في صحيفة مال، والمنشور في سبتمبر الفائت، يقول: (وقعت وزارة المالية اتفاقيات تمويل مع عددٍ من البنوك المحلية بقيمة 25 مليار ريال، لتنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية الإستراتيجية، ونحن ماضون بقوة في إنشاء مراكز لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، وماضون بالعمل على تطوير قدراتنا النووية السلمية، ونجحنا بتشييد أكثر من 40 مدينة صناعية، ونفذنا 3 مشاريع للحديد والصلب بقيمة 35 مليار ريال بطاقة إنتاجية تبلغ 6.2 ملايين طن، والعمل على قدم وساق على بناء (أوكساچون)، القلب الصناعي لمدينة (نيوم) لتحقيق الريادة في الصناعات المتقدمة، إضافة إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بمقدار أربعة أضعاف، وارتفاع رصيد صندوق الاستثمارات العامة، والتوقعات الإيجابية للنمو من المصادر غير النفطية، كما أشار العلمي إلى بيان مجلس الوزراء حول الإصلاحات الهيكلية والذي جاء واضحًا؛ نحن عازمون على تنفيذ رؤية المملكة 2030 بكل تفاصيلها، وأخيرًا دخلت السعودية نادي اقتصادات التريليون دولار هذا العام 2022)، كواحدة من 16 دولة في العالم في هذا النادي.

هذه بعض المنجزات التي جاءت نتيجة للتخطيط الطموح غير التقليدي، ونتيجة للتنفيذ الخلاق المبدع، ونتيجة لجرأة القرار والموقف، ونتيجة لتجاوب شعب عظيم مع رؤية قيادة عظيمة.

في الشهر الأخير الجاري من 2022، أقر -كما هو معتاد- مجلس الوزراء في السعودية الأرقام الفعلية لميزانية المملكة في 2022، والأرقام التقديرية للعام 2023، والتي تضمنت الميزانية السعودية للعام 2022، تسجيل فائض مالي بقيمة 102 مليار ريال، وبلغت الإيرادات في العام 2022 نحو 1.234 تريليون ريال، مقارنة مع المقدر عند وضع الميزانية بقيمة 1.045 تريليون ريال، وكان آخر فائض حققته ميزانية المملكة في العام 2013، وقد أشارت التوقعات في المدى المتوسط، إلى استمرار تسجيل الفوائض في الميزانية السعودية، التي ستصل بحسب التوقعات إلى 71 مليار ريال في العام 2025، وقد حقق الاقتصاد السعودي نموًا بنسبة 8.5% في العام 2022، ما يعد النمو الأسرع هذا العام بين دول مجموعة العشرين (G20)، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ومن ناحية أخرى، وصل إجمالي الدين العام في السعودية بنهاية 2022، إلى 985 مليار ريال، متراجعًا إلى 24.9% من الناتج المحلي.

ولن أدع الفرصة بطبيعة الحال تفوت علي لإبداء إعجابي الشديد بالحكمة والاتزان السعودي من خلال تصريحات معالي وزير المالية معالي الأستاذ محمد الجدعان، حينما قال: (ليس من الحكمة التعجل في تغيير سياسات مالية، حتى نتجاوز التحديات الحالية)، والأروع عندي، قوله: (الحكومة لن تتعجل في تغيير سياساتها المالية؛ بسبب تحقيق فائض لعام واحد فقط).

الحدث الأهم في عام 2022 - في تقديري - هو زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية الأربعاء الماضي، والتي حملت في طياتها دلالات مهمة ورسائل ذات بعدٍ استراتيجي، تعزز الأهمية الدولية للمملكة العربية السعودية في العالم بمختلف ميوله واتجاهاته.

وما دام الأمر يدور حول المنجز الوطني، رؤية وميزانية، فأود أن أطرح عليكم تساؤلًا مرره لي الصديق التويتري العزيز ماجد العطاوي (@al3tawi1982) يناسب حالنا كمواطنين سعوديين مع الرؤية، ومع الناقمين علينا وعلى رؤيتنا من الأعداء والخونة، يقول ماجد: (عندما شغل ملك مصر برؤيا البقرات والسنابل ثم وجد الجواب عند نبي الله يوسف وأوكله على خزائن مصر وأعلن يوسف عن رؤيته بالزراعة سبع سنين دأبًا وتخزين ما حصدوه، كيف تعامل شعب ذلك الزمان مع هذه الخطة الحكومية التقشفية الشاقة، ماذا لو عارضوه كيف كان سيتعامل معهم؟ كيف كان سيقنعهم أن مصدر المعلومة رؤيا. لو عارضوا يوسف وأفسدوا خطته لهلكوا).

وتعزيزًا لرأي الأستاذ ماجد، أقول: إن الإنجازات الوطنية الكبرى مبنية على الثقة المتبادلة بين القيادة والمواطن، ثم على التخطيط العميق، والدراسة الفاحصة العالمة، وما الرؤيا التي فسرها نبي الله يوسف عليه السلام للملك، ثم وضع لها الخطة المناسبة، إلا إنجاز كبير قام على التنبؤ والدراسة والتخطيط الدقيق بعيد المدى، والذي حمى الله به البلاد والعباد من جائحة مهلكة، فقدم يوسُف - عليه السلام - الحلول الناجعة بطريقة علمية خارجة عن المألوف؛ لمعالجة أزمة اقتصادية كادت تحل على مصر، على الرغم من ذلك النهر العظيم وتلك المحاصيل التي تمتد مد البصر.

وكان أهم بنود تلك الخطة هو الاستفادة من سنوات الرخاء لتجاوز سنوات الشدة، مع إضافة حلول إبداعية لتحقيق الاستدامة، ومن ذلك فرض المبدأ التقشفي الاستهلاكي على الناس في سنوات الرخاء، حتى إذا جاءت سنوات الجدب يكون الشعب قد اعتاد هذا المبدأ، ويمكنه أن يستمر فيه حتى يجتاز السنوات الشداد.

تذكروا أنه مرت بنا أكثر من طفرة، لكننا أسأنا التصرف، ولو تأخرت رؤية السعودية 2030، لكانت الأجيال السعودية القادمة في خطر محدق.

أخيرًا، يقول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، في كلمة للتاريخ، ختم بها القمة العربية-الصينية للتعاون والتنمية: «نؤكد للعالم أجمع أن العرب سوف يسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى، وسوف نثبت ذلك كل يوم».