البكاء غريزة ولكل غريزة وظيفة، لايبكي الإنسان لمجرد الرغبة في البكاء، فهي لغة يجب إدراكها، معرفتها، وفهمها، حتى يكون البكاء مُجديا، فلا خير في فعلٍ مُبهم، لا تفسير له، لذلك كانت هناك لغة للجسد، للعينين، لنبرة الصوت، كل هذه الأشياء تتحد لتصنع لغة وإشارة مفهومة.والبكاء مزيج من كل هذا، بالذات في الأطفال، فهم حينما يخرجون لهذه الدنيا، لا يملكون لغة سوى البكاء وقليل من التعابير، يعتمدون على مهارتنا في تفسيرها، حتى يجيدون الحديث، وحتى ذلك الوقت يُطلق بعض الأهالي على طفلهم لقب «بكّاي»، هذا البَكَّاء كان يتحدث وحين لم يُفهمه أحد استرسل في بكائه.

هناك معانٍ كثيرة لبكاء الطفل، حسب تعابير وجهه، ونبرة بكائه، إذا أراد الرضيع أن يعبر عن جوعه، لا يبكي مباشرة، بل يُعطي إشارات تدلُ على جوعه، يستيقظ، يكون في كامل نشاطه، يدير رأسه، يحرك شفتيه، يضع يده في فمه، يتمغط، يشد جسده، ثم يبدأ يبكي، إذا لم نفهم كل هذه الإشارات، ومع قلة حيلته، يشتد بكاؤه حتى يحمرّ، وحينها يرفض الرضاعة وكل ما يُقدم له، لأننا لم نفهمه منذ البداية، أخذ يرسل لنا الإشارة تلو الأخرى ولكننا لم ندركها.

أصل اللغة التي نتداولها، محاكاة كما قال علماء اللغة، إذ أنها نشأت من تقليد أصوات الطبيعة كالرعد والريح أو الضحك والبكاء، و كان لهذه الأشياء مجتمعة دور في ذلك، من حيث التعبير عن حالات الفرح أو الحزن، ولكن حينما نمت اللغة و تفرعت، نسينا أننا بدأنا هكذا، مجرد محاكاة تعبيرية، وكل مولود يولد بهذه اللغة البسيطة.

وإذا كان البكاء لغة للجوع، فإن التعبير عن التعب والإرهاق لدى الرضيع له لغة بكاء تميزه، من المهم إدراك ذلك قبل أن يدخل الرضيع في نوبة بكاء شديدة، يصعب معها إسكاته ومن ثم جعله ينام، هناك علامات مبكرة للتعب، كأن يتجنب التواصل بالنظر، ولا يرغب في المناغاة، يتثاءب، ويفرك وجهه بيده، ولكن هذه الإشارات ليست ناضجة عند حديث الولادة، حتى يصل عمره لثلاثة أشهر، إذا لم ندرك ماذا يعنى، عندها يبدأ بإطلاق صيحات تشبه صوت السعال، متقطعة بنغمة آآآآآه... آآآآآوو. يبدأ بفرك عينيه، إذا تجاوز عمره ثلاثة أشهر.

أكثر ما يجعل الأم تدرك أن بكاء طفلها هو من التعب وطلباً للراحة، معرفتها بأن طفلها لم يأخذ قسطا جيداً من النوم، وأجد من المفيد هنا، أن تعرف الأم ساعات النوم الطبيعية لكل مرحلة عمرية يمر بها صغيرهاز مثلاً .. حديثو الولادة عادة ينامون ما يزيد على 16 ساعة في اليوم والليلة.

عندما يصاحب البكاء الشديد اتساع في العينين، فهذا يعني الخوف والهلع، وغالباً يحدث بسبب ضجيج وأصوات مزعجة، أو إذا حمله شخص غريب، وهذا يحدث عادة بعد عمر 6 أشهر، حيث يستطيع الطفل تمييز الغرباء.

عندما لا يشعر الطفل بالراحة، يصدر أصواتاً متقطعة مثل «هيه.. هيه» مع تحريك قدميه ويديه، ويكون ذلك بسبب البلل، أو شعوره بالحر أو البرد، كذلك إذا أعقنا حركته بالقماط والأربطة.

ليس الكبار وحدهم من يشعرون بالملل، الصغار أيضاً ينتابهم هذا الشعور، نجد الطفل يعطي مؤشرات أولية لذلك قبل أن يبكي، تبدأ صرخاته الأولى كالهديل، كأنه يناغي بصوت عالٍ ونبرة حادة، إذا لم نفهمه، تزداد الصرخات ويتخللها شيء من الأنين، إذا وجدت طفلك يناغي بصوت عالٍ، احتضنه والعب معه، فهو يشعر بالوحدة والملل، ولأن شكواهم بكاءهم كما قال آباؤنا الأولون، فإنهم حينما يشعرون بالألم، أو حينما يمرضون يبكون أيضاً، بكاء مختلفاً، في حالات المغص مثلاً، يطلق صيحات شديدة، حادة ومفاجئة، ويرفع ساقيه إلى بطنه وكأنه يشير إليها، المغص يبلغ ذروته في عمر 6 أسابيع، ويختفي بحلول الشهر الثالث أو الرابع، ويحدث متأخراً بعد الظهر وفي ساعات الليل، ومن الممكن أن يستمر لساعات، وفي مرضه تصبح الصيحات أنفية أكثر، ضعيفة كأنها أزيز، حيث لا طاقة لديه ليبكي، كما في حالات المغص أو الجوع، أخذه للطبيب هي الاستجابة الضرورية في هذه الحالة.

بعض بكاء صغار الرضع، لا علاقة له بالاحتياجات الأساسية، وفي الواقع مابين

80% إلى 90 % من جميع الأطفال، تصيبهم نوبات بكاء من 15 دقيقة إلى ساعة، لا يمكن تفسيرها أو فك شفرتها بسهولة.