تطل مشكلة التوزيع وتكدس الكتب في مستودعات الأندية الأدبية بقوة عند الحديث عن المعوقات التي تعترض صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه من جانب دور النشر والمؤلفين، والأندية الأدبية بصفتها جهة نشر لا تملك إمكانات التوزيع واحترافيته بحكم أنه نشاط تجاري مستقل، وحاولت الأندية جاهدة التغلب عليها بعدة وسائل، كالتوزيع الفردي والمعارض والإهداءات والشراكات المحلية، ولكن شراكاتها مع دور النشر الأجنبية يحفها الغموض، وهناك حديث يتردد بين المؤلفين بأن دور النشر تلك تستفيد ماديا ونشاطا ورصيدا من الأندية ولا تقدم لها المطلوب لأنها دور نشر لا توزيع، وفاقد الشيء لا يعطيه، فهي تشارك في المعارض السعودية التي تحضرها الأندية بنفسها، وفي معارض الكتب العربية تعرض كتبا محدودة على استحياء في ركن قصي من جناحها ولا تبرزها إلا عند تصويرها لتقديمها للنادي المعني، وفي نفس الوقت لا تقوم بتسويقها للموزعين خارج المعرض ضمن إصداراتها الأصلية، ولا يوجد لدى الوزارة أو الأندية مقياس واضح لأداء التوزيع.

عن تكدس الكتب وتهمة استغلال الدور الأجنبية للأندية لجهلها بصناعة التوزيع كان لا بد أن نطرح الأمر من منظور الأندية الأدبية التي تعد طرفًا أساسيًا في العقد.

مسارات التوزيع في الأندية

يشير رئيس نادي جدة الأدبي، عبدالله السلمي، إلى عملية التوزيع المتبعة في النادي: الأندية لديها أكثر من طريقة لتحريك الكتاب، أولا: مسار المكتبة المنزلية: وهي جسور بدأت تبنيها الأندية الأدبية مع المنازل ومراكز الأحياء ومع الشركات والجهات والأسواق التجارية، فأصبحت كتبهم توزع.

المسار الآخر: لديها جزء الإهداءات، فالأندية الأدبية تفتح في كل فعالية طاولة كاملة تضع عليها آخر مطبوعاتها ليتناولها كل زائر وكل مشارك في الفعالية، سواء مستمعًا أو مشاركًا بالطرح، بأخذ نسخة مجانية ودون مقابل، أيضًا أصحاب الجمعية العمومية لهم حق بأخذ نصيبهم، وأحيانًا يتأخرون، ومن هنا تأتي مجموعة كتب تنتظر أصحابها والذين هم أصحاب حق فيها ليعاودوا الزيارة ويأخذوا كتبهم، لذا فإن فكرة وجود تكدس للكتب داخل أروقة الأندية الأدبية فكرة غير صحيحة، بل أحيانًا نعاني من شح ومن ضيق في اكتمال المطبوعات لتلبية المتطلبات، وبعض المطبوعات لدينا نفدت، والآن نحن بصدد إعادة طباعة عدد كبير جدًا من المطبوعات، وأتحدث هنا عن نادي جدة الأدبي.

نتمنى موزعا محليا موثوقا

ويوضح السلمي سبب شراكات الأندية مع الدور الأجنبية: "أما فيما يتعلق مع شراكتنا مع دور النشر الأجنبية، تجربتي مع نادي جدة لا يوجد لدي دار نشر أجنبية أبدًا، ولدي علاقة مع دار نشر تكوين وهي سعودية، ومع مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز، ونحن على ذلك منذ 5 سنوات، نطبع مؤلفاتنا ونحن الذين نقوم بدور توزيعها.

لكن الأندية الأخرى تتكئ على دور نشر أجنبية، وكان هذا موجودًا في نادي جدة الأدبي سابقًا، وهذا بسبب سرعة التمدد وحضور كل الفعاليات وكل المعارض العالمية، وذلك من زاويتين: زاوية الطباعة، وزاوية النشر.

زاوية النشر لهذه الجهات قدرة على سيرورة الكتاب ونشره في كل مكان في العالم، وهذه لا تتبناه إلا دار نشر وليس ناديًا.

في حين أن الأندية الأدبية إذا طبعت محليًا ــ للأسف الشديد ــ هي لن تجد الآن من يمكن أن يقوم بنشر هذا الكتاب وتوزيعه، ونتمنى أن يكون هناك ناشر محلي يأخذ كل هذه المطبوعات بغض النظر أين طبعت، ويقوم هو بدور التوزيع ويكون موثوقا.

مطبوعات الوسائط الإلكترونية

ويطرح السلمي الحاجة إلى المساهمة في تحويل المطبوعات إلى وسائط رقمية لزيادة تمدد وصول الكتاب: الزاوية الأكبر في هذا، والتي أتمنى الإشارة إليها، هو الحاجة إلى تحويل هذه المطبوعات إلى وسائط إلكترونية ونشرها عبر مكتبات أخرى.

نحن اتفقنا مع شركات أخذت هذه المطبوعات وأصبحت موجودة على مواقع إلكترونية يمكن العودة إليها والاطلاع عليها والاستفادة منها في أي مكان في العالم وفق رسوم رمزية، وذلك بالاتفاق مع شركات محلية أيضا لهذا الغرض.

ويشيد رئيس نادي الباحة الأدبي، حسن الزهراني، بالشراكة مع الدور الأجنبية فيقول: أتحدث من خلال تجربة مع دار الانتشار العربي ببيروت، تمت شراكة مع الدار بحيث تكون جميع إصدارات النادي في جميع معارض الوطن العربي، وبحمد الله لم نجد منهم إلا كل الوفاء، كتبنا تحضر وبقوة في جميع معارض الوطن العربي، وتأتينا صور سواء من الدار نفسها أو الأصدقاء الذين يطلعون على إصدارات النادي، وبقية الأندية التي تتعامل مع دار الانتشار تحديدًا التي نتعامل معها.

بقية الأندية الأدبية ربما تتعامل مع دور أخرى.. ثم حتى إننا نقضي على ما كان يسمى تكدسا سابقا قبل أن تتحول الأندية الأدبية للشراكات ونشر إصداراتها بشتى الوسائل.

تعاقدنا أيضا مع الدور المحلية، كدار الكنوز الأدبية في جدة، ودار الطرفين في الطائف، ودار المفردات في الرياض، وبالتالي إصدارات النادي لا تصعب على من يبحث عنها في معظم مدن المملكة، ثم مشاركة النادي بإصداراته في المعارض سواء المحلية على مستوى المملكة أو على مستوى العالم العربي.

الجودة والتميز تمنعان التكدس

يطرح رئيس نادي منطقة الشرقية الأدبي والأمين المساعد لاتحاد الأدباء والكتّاب العرب، محمد بودي، الحلول التي تمنع من تكدس الكتب في الأندية في حديثه: مشكلة توزيع الكتاب مشكلة تواجه جميع المشتغلين في مجال النشر والتوزيع للكتاب ومن ضمنهم الأندية الأدبية، وتتداخل فيها جملة عوامل منها جودة وقيمة الكتاب، وتميز المؤلف أو الكاتب، ومهارة دار النشر وحضورها في معارض الكتاب المحلية والعربية والدولية وكذلك السوق المحلي.

بالتالي أي نقص نسبي أو كلي في هذه العوامل يؤثر سلبًا في مدى انتشار الكتاب أو تكدسه في المستودعات، وتعدد قنوات التوزيع والبيع الإلكتروني والمشاركة في المعارض وتسويق الكتاب والإعلان عنه واستضافة المؤلفين وعمل مناسبات لتوقيع الكتاب كلها تصب في مصلحة انتشار الكتاب وعدم تكدسه.

إغراء الدور الأجنبية للمؤلف المحلي

مؤكدا الأسباب التي تدفع بعض الأندية لعقد شراكتها مع الدور الأجنبية: أما ما يخص الشراكة مع دور النشر الأجنبية وتحديدًا اللبنانية في نشر كتب النادي، فأود أن أوضح أن نادي المنطقة الشرقية الأدبي أعطى امتياز النشر والتوزيع لدور نشر سعودية في مختلف الفترات وهي دار أثر، ومركز الأدب العربي، ودار الثلوثية، وهناك العديد من الأندية الأدبية تنشر وتوزع من خلال دور نشر سعودية وبعضها مع دور نشر أجنبية، فكل ناد له رؤية وطريقة وأسباب، فبعض دور النشر العربية متخصصة في نشر الروايات، وبالتالي النشر من خلالها يعطي حضورًا للمنتج السعودي الروائي وكذلك يمنحه الفرصة في التنافس في المسابقات والجوائز الدولية، علاوة على أن بعضها يقدم تسهيلات مالية ومرونة في التعامل قد لا يقدمها الناشر المحلي، وهي اجتهادات ووجهات نظر فيها وجاهة وتستند على تجارب ووقائع حقيقية.

جهود فردية لمواجهة المشكلة

يرى رئيس نادي جازان الأدبي، حسن الصلهبي، أن التوابع التي يخلفها غياب التوزيع والتي تشترك بها نقاط البيع التي تبالغ في النسب: مشكلة توزيع الكتب مشكلة أزلية تعاني منها معظم المؤسسات الثقافية التي تقوم بدور النشر ولا يمكن بأي حال التغلب عليها بجهود فردية.

ولعل السبب يعزى هنا إلى ضعف القراءة في العالم العربي عموما، وضعف الإقبال على الكتب، خصوصا بعد ثورة الإعلام الجديد ووسائل التواصل الحديثة التي توفر بديلا منافسا في هذا المجال، كما أن المكتبات الكبيرة التي لها نقاط بيع وفروع متعددة في جميع مناطق المملكة تطلب نسبا عالية وتركز على الكتب الأكثر مبيعا بغض النظر عن جودة الكتب وجودة محتواها.

استغلال الدور الأجنبية

ويتابع الصلهبي حديثه بشأن استغلال دور النشر الأجنبية في تعاملها مع إصدارات الأندية: فيما يخص الدور الأجنبية التي تنشر سواء للأندية الأدبية أو سواها من المؤسسات الثقافية أو الأفراد فإن هذه الدور تنظر بالمقام الأول للكتب التي تحقق لها مبيعات عالية، ولذلك نجدها تهمل الكتب الأقل، فدار النشر قد تعرض الكتاب في معارضنا المحلية وتقصر في المعارض الدولية، وحاليا نجري تقييما لتجربتنا معهم لتصحيح المسار وتفادي السلبيات.

مشروع وطني للثقافة

ويشير الصلهبي إلى أن حل المشكلة قائم على إيجاد مشروع حكومي في حديثه:

حل هذه الإشكالية يمكن أن يتحقق من خلال مشروع ثقافي وطني كبير يتجاوز كل هذه العقبات ويستطيع الوصول بالكتاب إلى أبعد نقطة، ولعل جهود وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة والمعارض التي تنظمها في كل من الرياض وجدة، وقريبا المنطقة الشرقية يخفف كثيرا ويأخذ بيد الكتب ومؤلفيها لنشر كتبهم من خلال هذه المعارض، كما أننا ننتظر الدار الوطنية الناشرة التي أعلنت عنها الوزارة في إستراتيجيتها، ونرجو أن يكون الحل الجذري لهذا الأمر من خلالها.