لاحظت في الآونة الأخيرة، ربطًا قسريًا بين براءة الطفولة ونقائها، وبين الفلسفة. فحسب ادعاءات أنصار الفلسفة، أنها تمنح الطفل معجزة التفكير الناقد، لذلك فإن فرضها على الطلاب في المراحل الأولية، ضرورة تربوية تحميه من اعتناق الأفكار المتطرفة.

والادعاء الآخر، أن الطفل فيلسوف بالفطرة، بمعنى أنه يولد وهو يحمل الرغبة في التفلسف وطرح الأسئلة الفلسفية.

هذه الادعاءات تحمل جملة من التحيزات والأحكام غير المنطقية، فضلًا عما يتخللها من سطحية طرح، وسوء فهم لطبيعة الفلسفة.

صحيح أن الطفل كثير الأسئلة، وأحيانًا غير متوقعة وعميقة، لكنها أسئلة غير مرتبطة بالفلسفة. ونقصد هنا الفلسفة باعتبارها موروثًا يونانيًا ومسيحيًا.

فالطفل يطرح أسئلة ذات طابع عقدي، حول نشأة الكون وخلق الإنسان ومصيره في الآخرة. وهذا النوع من الأسئلة العقدية، يتناولها الفلاسفة والفقهاء بالدرجة نفسها مع اختلاف المرجعية الدينية والثقافية، فهل من المنطقي القول: إن أطفال العالم كلهم فقهاء صغار؛ لأنهم يطرحون أسئلة عقدية ويناقشونها؟

مشكلة المهتمين بالفلسفة في العالم العربي، أنهم يتعاملون مع الفلسفة خارج سياقاتها الدينية والثقافية التي ولدت فيها. الفلسفة كانت حاجة دينية عند الشعوب اليونانية والمسيحية لتأويل معتقداتهم الدينية التي قد لا تعكس - أحيانا - الفطرة السليمة التي ولد عليها الأطفال. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه)، ويقول الله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)، وهنا أطرح سؤالًا بسيطًا عن طبيعة هذه الفطرة، وهل تتوافق مع عقائد الفلاسفة عبر التاريخ؟

حين نقول، إن الفلاسفة اليونانيين أو المسيحيين لا يحملون أي عقائد دينية، وإن أفكارهم الفلسفية ليست نتيجة لهذه العقائد، فنحن لا نفهم فلسفتهم بالشكل الصحيح، فتناول فلسفة أرسطو اليونانية أو فلسفة ديكارت المسيحية أو فلسفة سبينوزا اليهودية، بمعزل عن سياقاتها الدينية، فهذا ناتج عن سوء الفهم لمجمل أفكارهم. كما أننا لا نستطيع تناول رأي الفقيه أحمد بن حنبل في مسألة «خلق القرآن» بمعزل عن سياقاتها الدينية والتاريخية والثقافية.

نعود لمفهوم «الفطرة» المرتبطة بالأطفال المذكورة في الآية الكريمة، وماذا تعني؟ وهل تتوافق مع ما يطرحه الفلاسفة من أفكار ومعتقدات عبر تاريخ الفلسفة؟

فطرة الله المذكورة في الآية، يمكن أن نفهم منها أن المولود يولد خاليًا من دواعي الضلالة أو الشرك، ولو ترك أي مولود وشأنه دون تدخل من أي أطراف خارجية، لقادته فطرته السليمة إلى معرفة الله وتوحيده والإيمان بأن للكون ربًا مدبرًا وأحدًا.

وهذا قد لا يتفق مع معتقدات كثير من الفلاسفة الدينية.

يقول رينيه ديكارت في كتاب (مبادئ الفلسفة): «فإذا أنعم الله علينا بما كشفه لنا أو لغيرنا من أشياء تجاوز طاقة عقولنا في مستواها العادي، كأسرار التجسيد والتثليث لم يستعص علينا الإيمان بها مع أننا لا نفهمها فهمًا واضحًا)، فالإيمان بالمعتقدات المسيحية جزء لا يتجزأ من فلسفة ديكارت، ويمكن تصنيفه من ناحية موضوع البحث، بأنه كتاب في العقيدة الدينية ولكن وفق مرجعية مسيحية. فقد كانت الدوافع الدينية عند ديكارت تتجه نحو توضيح العقيدة السليمة من منظوره وحسب مرجعيته الدينية، هذه العقيدة الدينية ليست بالضرورة أن تتفق مع فطرة الأطفال السليمة».