استبشر الناس بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ حفظه الله - الأسبوع الماضي، عن إطلاق «صندوق الفعاليات الاستثماري» برئاسة سموه، وحق لهم ذلك؛ خاصة أن الهدف هو تطوير بنية تحتية مستدامة لدعم «4» قطاعات واعدة هي: الثقافة، والسياحة، والترفيه، والرياضة، وبناء شراكات إستراتيجية لتعظيم الأثر في هذه القطاعات، وجذب الاستثمارات، والمساهمة في تحقيق أهداف المحاور الـ «3» الأساسية لرؤية المملكة 2030: «اقتصاد مزدهر» و«مجتمع حيوي» و«وطن طموح»، تتحقق من خلاله برامج الرؤية، وتجعلها واقعا ملموسا.

لن أكتب هنا عن البرامج الـ «11» للرؤية، وسأكتفي ببرنامج «جودة الحياة»، الذي «يُعنى بتحسين جودة حياة الفرد والأسرة، من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، والأنماط الأخرى الملائمة التي تساهم في تعزيز جودة الحياة، وتوليد الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية»، وهو ما يجعلني متيقنا من أن البرنامج سيمر بمراحل تطويرية إدارية قادمة، وسيكون متبوعا لا تابعا، لأنه يستحق ذلك، منوها في ذات الوقت ببرنامج «صندوق الاستثمارات العامة» الذي يهدف إلى تنوع الاقتصاد في المملكة، كذا برنامج «تنمية القدرات البشرية»، الذي يسعى إلى «أن يمتلك المواطن قدراتٍ تمكنه من المنافسة عالميًا، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف»، عبر أهداف استراتيجية دقيقة، في مقدمتها «تعزيز قيم الوسطية والتسامح»..

مفهوم جودة الحياة فكرة عتيقة تعود إلى الفلاسفة القدامى مثل «أرسطو» الذي كتب عن الحياة الطيبة أو المرفهة، وفي بدايات القرن الـ «20» دخل ذات المفهوم في العلوم الاجتماعية والنفسية، وأصبح أحد أهم مفاهيم «علم النفس الإيجابي» الذي أسسه عالم النفس الأمريكي «مارتن سليجمان» عام 1998، وهو عند المتخصصين، علم ينصب في تركيزه على دراسة كيفية جعل الفرد يعيش سعيدًا في حياته، وعادةً ما يتم تقييم «جودة الحياة» من خلال مؤشرات متعددة، تساهم في تحضير الإنسان للمستقبل، وتوفير احتياجاته المتجددة والمتسارعة، وتمنحه المهارات المعرفية الأساسية اللازمة.

أختم بأن جودة الحياة «السعودية»، يخطئ من يحصرها في «الثقافة»، و«السياحة»، و«الترفيه»، و«الرياضة»، فهي وإن كانت غالبا كذلك، إلا أني أراها تمتد أيضا لتشمل أهم الأهداف الإستراتيجية لبرنامج تنمية القدرات، أعني «تعزيز قيم الوسطية والتسامح»، الذي ودون التوسع في التنظير، يعني «التصالح» مع قطاعات جودة الحياة بعد عقود من «النهي والتحريم»، ويعني عدم فرض معارف «ظنية الدلالة»، حتى لو كانت «قطعية الثبوت»، أو كما تسمى «قطعية الورود»، على الناس، وعدم معاقبتهم في «الدين» إلا بنص واضح وصريح، وفي «الدنيا» إلا بحكم عادل ونزيه، وعدم التدخل في علاقاتهم بخالقهم سبحانه، أو الحكم عليهم ببئس المصير، وعدم إلزامهم بمدرسة فقهية وعقدية وسلوكية وفكرية معينة، أو إرجاعهم لمرجعية معينة، أو قصر الاجتهاد في مسائلهم الدينية والدنيوية على أصحاب العقول المغلقة، والأفهام الجامدة، والقلوب القاسية، والظانين بغيرهم ظن السوء، والذين يعتقدون أنهم يمثلون الدين أو الوطن بشكل أو بآخر.