تداول مغردون قبل أيام مقطع فيديو لنقاش يدور بين شخص يقول إنه من موظفي الحرم المدني وأحد الزوار حول «مشروعية قراءة القرآن على أهل البقيع».

حاول الموظف أن يوضح للزائر أن الموتى لا يسمعون القراءة وأن هذه بدعة، بينما أصر الزائر على القراءة وحاول أن يشرح رأيه للموظف، وعندما فشل الموظف في إقناع الزائر أخبره أن لديه «توجيهات» بمنع هذا الفعل!

انتهى المقطع المتداول عند هذا الحد، لكن المشهد يتكرر وبأشكال متعددة من خلال تصرفات فردية غير مدروسة تكرس في الأذهان صورة مغلوطة تتعارض مع الجهود الجبارة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين بكل وزاراتها وهيئاتها لضمان رحلة مطمئنة وهادئة ومريحة لزوار الأراضي المقدسة.

في تقديري أن الأمر يستحق التوقف والمراجعة وتوضيح عدد من الأمور. أولها ما يتعلق بردم الفجوة الثقافية التي شكلت رؤية فكرية ذات اتجاه أحادي ضيق، تسعى بلادنا اليوم للحد من آثاره السلبية في المجالات كافة. وحيث إن الحج والعمرة والزيارة خطوط مواجهة مباشرة مع العالم، فإنه ينبغي انتقاء شخصيات العاملين فيها لتكون أكثر انفتاحا وتقبلا للتنوع، وأكثر ثقافة في ما يتعلق بالحريات الدينية وحقوق الإنسان والأهداف العليا للدولة بشأن تجويد الخدمات ورعاية ضيوفها، وأن يكون لديهم الوعي بدورهم الثقافي والإنساني، وبما يناط بهم من مسؤولية تمثيل بلادهم ومجتمعهم وقيمهم خير تمثيل.

نعلم أن زوار الأراضي المقدسة يتكبدون عناء هذه الرحلة ويستعدون لها نفسيا وماديا ربما منذ سنوات أو حتى عقود، لتكون رحلة إلى الله ترافق ذاكرتهم وقلوبهم مدى الحياة. هي رحلة ربما لا يتمكن الإنسان من تكرارها، وهي رحلة يأمل القادم إليها أن تكون مليئة بالروحانية والسلام والسكينة. وآخر ما ينتظره في رحلته هذه أن تتحول إلى مناسبة للجدال والوصاية على عقله وقناعاته.

في رأيي أنه حان الوقت للتحول الكامل إلى مفهوم السياحة الدينية بحسب أعلى المعايير العالمية وتحديد مهام العاملين في مناطق التماس مع الزائر بتقديم الخدمة والإرشاد السياحي وحماية الأمن ومنع الاستغلال السياسي للشعائر، وأن يقتصر على ذلك دون تدخل في رأي الزائر أو ممارساته التعبدية ما لم يخل بالأمن أو يتسبب في ضرر للناس أو الممتلكات.

كما أنه من المعلوم أن الزوار يأتون اليوم في حملات منظمة ومصرحة، وتحرص الجهات المعنية بتنظيم الحج والعمرة على تزويد هذه الحملات بالأنظمة و القوانين المعمول بها في الأراضي المقدسة، وكذلك بالأرقام والتطبيقات التي تساعد الزائر في حالة احتياجه لرأي ديني أو فتوى تتعلق بالمناسك أو غيرها، فلا يوجد والحالة هذه أي مبرر لوجود ميداني لأشخاص ليس لهم صفة أمنية أو تنظيمية أو صحية.

ختاماً.. إننا ونحن نستشعر دعوة أبينا إبراهيم، عليه السلام، «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم» نعي أن قدر هذه الأرض وإنسانها أن تكون مهوى أفئدة الناس جميعا مهما اختلفت مذاهبهم ومشاربهم، وعلينا أن نترجم هذا الوعي لسلوك مضياف كريم، عنوانه التصالح واللطف والمحبة، وتقديم الانطباع الحسن الذي يجعل الزائر يشعر أنه بين أهله، وأنه ليس غريبا في رحاب الأرض التي تحتضن مقدساته، وأن يعلم تماما أن تأشيرة الدخول إلى بلادنا تعني أننا نرعاه ونحترمه ونرحب به دون قيد أو شرط.