خدمة 937 من الخدمات الرائدة التي قدمتها وزارة الصحة، تعرف الناس عليها أكثر أثناء (جائحة كورونا)، أي ليس قبل 2020، رغم أن الخدمة اعتمدت مبكرًا في 2012، ولكن استخدامها - طبقًا لعدد الاتصالات والشكاوى - كان محدودًا، ذلك الوقت.

تستطيع من خلال هذه الخدمة، استشارة الأطباء والمختصين، عن أي أعراض طارئة، عن طريقة استخدام علاج، أو الخطوات اللازمة لإنقاذ مريض حتى وصول الإسعاف، ويمكن رفع شكوى أو ملاحظة على أي منشأة صحية، لتحسين الخدمات الصحية، وهذا هو الهدف الأسمى لخدمة 937.

فمعظم البلاغات يُنظر فيها سريعًا، وتُغلق عادة خلال 72 ساعة، ممتنة لكل الخدمات التي أراها في تحسن، حينما كنا نواجه قلة الأسرة، كنا نضطر لإبقاء المريض في الطوارئ، أو في غرفة الولادة بالنسبة للمواليد حتى توفر سرير، لكن الآن ما علينا سوى كتابة إحالة والوزارة تتكفل بتوفير سرير إما في أحد مستشفياتها أو في أحد المستشفيات الخاصة، وحتى إيجاد السرير يتلقى المريض العلاج والرعاية الطبية في المكان الذي يوجد فيه، وهذا مرهق بالنسبة للطاقم الطبي، وليس مثاليًا للمريض.

حتى الآن يبدو الأمر جميلًا ورائعًا، طالما بمجرد اتصال، أحصل على المساعدة الطبية من مختصين، لكن في الحقيقة ولمن لا يعرف، أن البعض يستخدم الخدمة بشكل خاطئ، يعتبرها سلاحًا، يهدد به الممارس الصحي. أتذكر يومًا وأنا أجدد التقرير الطبي لمريض بالعناية المركزة لحديثي الولادة بقي في الطوارئ لعدم وجود سرير. وفي نهاية اليوم وبينما أبحث عن سرير له، فوجئت باستفسار من 937 عن شكوى من الأب، عن تأخر نقل المريض، كان الطفل يحتاج مستشفى يتوفر فيه جراح مسالك بولية أطفال، وطبيب كلى أطفال، لا يمكن إرساله لأي مكان، لمجرد توفر السرير، فتوفر الخدمة أهم من توفر السرير. تفهمت الوزارة، ولكني فكرت في الوقت المهدر، بصندوق البريد الذي سرعان ما يمتلئ، فهذه شكوى واحدة، وغيري الكثير، إحدى الزميلات قالت إن والد أحد مرضاها، قال لها بالحرف الواحد (باعطيكم يومين توصلون للتشخيص، إذا ما وصلتوا ترى باشتكيكم على 937 )، عفوًا!

هناك فحوصات تحتاج وقتًا لظهورها، ولكن بكل المقاييس المريض يتلقى العلاج حسب التشخيص الأولي للحالة، والفحوصات تُثبت صحة التشخيص أو تضيف تشخيصًا آخر.

معظم الممارسين الصحيين يتفهمون ويستوعبون رد فعل المرضى وأهاليهم، لكن لا أحد يريد أن يقع في الفخ!

تزعجهم أسئلة، ( لماذا ومتى وكيف) ، فهم يحاولون قدر الإمكان تجنب الشكاوى، فتولد لدى البعض منهم ممارسة نسميها ( protective medicine)، أي يفعل كل شيء لحماية نفسه أولًا من المساءلة، فيرضخ لطلب الأهل، مع أخذ توقيعهم.

صراحة أجد أن هذا لا يصح، فالمريض وأهله لا يعرفون حقيقة المرض، لا يفهمون لماذا اتخذ إجراء معين وقرار مختلف، رغم إجابات قوقل لهم، فإنه عاجز عن معرفة تفاصيل الحالة.

حينما يصر الأهل على ما عرفوه من قوقل أو من طبيب في إحدى منصات التواصل، ولا يوافقهم الطبيب المعالج على ذلك، يجد مساءلة تنتظره من 937 على بريده، يجب أن يرد عليها. ينتهي الأمر ولكن يبقى هاجس الشكوى ضاغطًا على ذهن الطبيب، هو لا يريد المساءلة، يرغب في ممارسة عمله بسلام، لذلك ينتهج مبدأ protective medicine، إمّا بالنزول لرغبات المريض أو توقيعه أهله على كل صغيرة وكبيرة، أو إثبات كل حدث في ملف المريض كان مهمًا أو تافهًا، لحد أنك حين تصفحك ملف مريض، تظن أنك في ساحة قضاء (الأم وافقت، الأب رفض، ناقشنا الأمر، تم رفض الإجراء ووقعوا على ذلك)!

ما تعلمناه، إن كانت لديك حجة قوية ولمصلحة مريضك لا تخف من الشكوى، فالوزارة تقدر، ربما يضيع الوقت اليوم ولكن الأهم أن يعيش المريض بصحة.

استخدام خدمة 937 يحتاج إلى تقنين، وإلى فلترة من المختصين، ليست العبرة في عدد الاتصالات التي تمت الإجابة عنها، بقدر مدى جدية وصحة هذه الاتصالات والشكاوى.