هناك «هجمة» على الانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه المملكة. يأتي بعضه من «مواطنين» متحزّبين، ومحسوبين على تيارات إسلامية مختلفة. وبطبيعة الحال فأنا أعرف «قميص عثمان» هذا، وأعرف أن الدين آخر ملجأ للمحتال.

لكن ما يثير الدهشة أن يدعمهم بعض مواطني الدول العربية الذين يريدون لبلدنا أن يكون مسجدا لهم، يتخلصون فيه من آثامهم.

سأقول لهؤلاء وأولئك إن:

الإسلام دين كأي دين آخر ضروري للفرد من منظور نفسي، وأعرف أفرادا فقدوا كل شيء، وكل ما تبقى لهم لكي لا ينهاروا هو: الله جل جلاله.

الإسلام دين كأي دين آخر ضروري للمجتمع من منظور تعاوني، فقد عرفت أسرا تعيش على ما يهبه الآخرون لها من منظور ديني.

الإسلام في حياة الفرد والمجتمع أكثر مما ذكرته لاسيما حين يكون الإسلام كأي دين آخر عاملا مساعدا للناس لتجاوز مصاعبهم.

لكن الإسلام الذي يدعون إليه تحول إلى سلطة مستبدة يتدخل في تفاصيل الإنسان اليومية.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد عشت على مدى أربعين عاما تركيز الدعاة والوعاظ والمذكرين على تفاصيل حياة المواطنين اليومية، وتجاهل قضاياهم الكبرى الدينية والدنيوية.

وفي هذا السياق يمكن لمطوية وزعها في زمن سابق إمام مسجد قريب من بيتي عنوانها «حاسب نفسك قبل أن تنام» أن توضح طبيعة هذه التفاصيل. مثلا سألت:

عن الرجل التي قدمها الفرد للدخول إلى دورة المياه

الرجل التي قدمتها عند الخروج

الجنب الذي أنام عليه

 أذكار النوم والصباح والمساء

وهناك تفاصيل أخرى لا تأخذ في اعتبارها أركان الإسلام الأساسية، فلم تسأل عن أداء الصلاة مثلا، ولم تأخذ في محتواها حاجات الفرد الأساسية الاجتماعية وتقدير الذات وتحقيقها.

صاحب هذا التركيز على التفاصيل اليومية تهديد ووعيد، واستخدم الدعاة:

قصص الترهيب الديني

تفننت أشرطة (الكاسيت) الإسلامي في استخدام خلفيات لكي تكون القصص أكثر رعبا.

قد سمعت شريطا منها يتحدث عن عذاب القبر، وحين وصل الداعية إلى ثعبان القبر (الشجاع الأقرع) دوت أصوات خلفية، زئير وعواء وأنين. وفي إحدى المدارس الابتدائية حفر المعلم قبرا في فناء المدرسة، اضطجع فيه الطلاب،واحدا تلو آخر باعتبار ذلك وسيلة تعليمية.

ومع ذلك فما الذي حدث؟

سأورد عددا من الإحصائيات وردت في دراسة عنوانها «ماذا يقول الجمهور السعودي عن الدين، والنوع والسياسة؟» مضمومة مع دراسات أخرى ضمن كتاب عن مسح القيم العالمي.

90 % من عينة عددها (1026) يمثل الدين أهمية خاصة في حياة السعوديين.

هذا جيد لكن

النسبة أقل من المصريين 97%

ومن الأردنيين96%.

وصف 62 % من السعوديين أنفسهم بالتدين، وهي نسبة قليلة جدا بالمقارنة

مع المصريين98 %

والأردنيين95 %

والإيرانيين82 %

والأمريكيين81 %.

خلصت الدراسة إلى أن:

التعريف الذاتي للتدين عند السعوديين مقارنة بالمصريين والأردنيين والإيرانيين له دلالة، لذلك تستحق النظرة السائدة إلى المملكة كمجتمع محافظ جدا ومتدين إلى إعادة نظر.

الطبيعة الدينية لحكومة المملكة مقارنة بحكومتي مصر والأردن العلمانيتين لم تجعل السعوديين أكثر تدينا بل أقل من المصريين والأردنيين.

يبدو أن هذه العلاقة العكسية بين تدين الدولة وتدين الجمهور قد تعطي تصديقا لنظرية في علم الاجتماع الديني تفترض أن التعددية الدينية هي حالة طبيعية للدين، وأنه عندما تتدخل الدولة في الشؤون الدينية، حيث تفرض منهجا دينيا موحدا على الجمهور، فإن الجمهور يصبح أقل تدينا.