حاز مهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية، الذي احتضنته مدينة أبها الأسابيع الماضية، إعجاب المواطن والمقيم، واكتسب نجاحه من جهود هيئة المسرح والفنون الأدائية، وتفوقها في التنظيم الجيد، الإدارة الذكية، الاختيار الموفق لتنفيذ البرامج في الأماكن التراثية المفتوحة.

وتناغمت لحظات الفرح والإعجاب من الحضور مع المشاهد المبهرة، ومرونة أداء المشاركين بإيقاعات متنوعة، والتعرف من قرب على الفنون الجبلية، لبعض دول العالم، إلى جانب مشاركات مميزة لفنوننا الشعبية الأصيلة.

لم تحجب أجواء شتاء أبها ملامح البهجة في عيون الآباء، وهم يستمتعون في انسجام مع أفراد أُسرهم، وينقلونها بكاميرات هواتفهم إلى الأصدقاء، الذين لم يتمكنوا من الحضور.

أعتقد أن فكرة المهرجان التي جاءت في وقتها المناسب، وما سبقها من نشاطات ثقافية فنية على مستوى المملكة، ستسهم بحول الله، في إنشاء حائط صد ولو بالتدريج، ضد إدمان وسائل التواصل والعزلة مع العوالم الافتراضية من بعض أفراد المجتمع، وانتشالهم من متابعة وتغول مرضى الشهرة، وتعزيز التواصل واكتساب الخبرات والعلاقات، والالتصاق أكثر

بموروثنا الشعبي، والحد من السفر للخارج بحثاً عن الترفيه.

وحتى نعزز من الدور الكبير للثقافة والفنون، فإن المرحلة تستدعي قيام المراكز الثقافية بدورها، وضخ المزيد من النشاطات الثقافية التراثية والفنية، على مدار العام في مستوى وفكرة مهرجان القمم، وعلينا القبول بصدور رحبة، أن من أهم أسباب عزوف الناس عن المحاضرات الأدبية، والندوات والأمسيات الشعرية، هي الأساليب القديمة وأماكن لم تعد تناسب العصر، ومنصات أداء مترهلة وأوبريتات كانت فكرتها مقبولة قبل أربعة عقود.

فالثقافة والفنون بطبيعتها بينها وبين الإنسان منذ الأز،ل علاقة شفافة ومودة خاصة، تدب فيها الحياة وينتشر عبير الإبداع في أوصالها، حين تحط في الأماكن الجميلة المفتوحة، ببساطة تكوينها وبعدها التاريخي، ويختفي في زواياها التكلف والرسميات وتقعر الكلام.

ونعلم جميعاً أننا في عصر يراهن العالم فيه، على القوة الناعمة ومدى تأثيرها القوي في لفت انتباه المجتمعات الأخرى، وجذبهم ومد جسور التعاون، أما الداخل فتُبني أُسسٌ راسخة من الانتماء والاعتزاز والفخر، بسيد الأوطان المملكة العربية السعودية.

قافلة الثقافة والفنون في مدننا، لن يعجز عنها شبابنا فلديهم - ولله الحمد - القدرة والإدارة والمعرفة بعصرنا الرقمي، والتغيرات السريعة واكتشاف هوايات ومتطلبات الجيل الثقافية والإبداعية الفنية، التصاميم والأفكار، الخيال العلمي، اختراعات الموهوبين وإقامة المعارض التشكيلية، والعروض المسرحية والتراثية، في الأماكن والمسارح المفتوحة، والاحتفاء بأبناء وبنات الوطن المميزين، ممن شرفونا ويشرفوننا بعلمهم وإنجازاتهم وريادتهم في المحافل الدولية، لنجعلهم القدوة النقية الباقية، ومضرب المثل في عهد الرؤية الطموحة المباركة.

وأرى أن الوقت قد حان لتفعيل نشاطات مركز ثقافي كبير بمدينة أبها، يجمع الثقافة والفنون، ويكون معلماً للتألق والإبداع، في هذا العهد الزاهر، ولعل مركز الملك فهد الثقافي في قرية المفتاحة بأبها، هو الأقرب إن تم تطويره وتجديده.