في خضم الجدل الذي يثار كثيرًا حول ما إن كانت الحجر التابعة لمحافظة العلا هي موطن ثمود قوم نبي الله صالح، رد الباحث في تاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي على عدد من الباحثين والمؤرخين الذين ينفون الأمر، بالتأكيد على «بيوتهم قوم ثمود والآبار المنحوتة في الجبال وما تركوه لنا من ذكريات على الصخور من نقوش ورسمات تفند كل الادعاءات التي تنفي علاقة الثموديين بالحجر، وتؤكد أن الحجر كانت موطنهم».

وحسم الفايدي «الحجر هي موطن ثمود، وهي مدائن صالح، ولا يوجد أي شك أن وادي القرى (العلا) هو طريق الركب الشامي وهي موطن رسالة نبي الله صالح لقومه ثمود».

طريق البخور

ساق الفايدي في مؤلفه «هذه الحجر» الذي صدر الأسبوع الماضي في 283 صفحة «أدلته التي استند إليها في تأكيد أن الحجر هي مدائن صالح، ومنها تطابق النصوص الشرعية مع تفاصيل المكان وأصل الثموديين العربي والنقوش والرسومات الصخرية، وما دوّنه الرحالة الغربيون عن الحجر قديمًا، مشيرًا إلى أن الحضارات التي تعاقبت على الحجر لأهمية موقعها على طريق القوافل التجارية الدولية - طريق البخور- وخصائصها التكوينية واندثار أجزاء من الحضارة الثمودية كانت وراء تشكيك بعض الباحثين في أنها كانت موقع القصة القرآنية لقوم صالح وما نزل عليهم من آيات.

فراغ علمي

أضاف الفايدي من يتتبع أدلة المؤرخين والباحثين الذين خالفوا ما عليه الدليل وشككوا بأن حجر العلا ليست ديار وموطن قوم صالح يجد أنهم تركوا فراغًا كبيرًا بعدم تحديد ديار قوم صالح ولم يستطيعوا إيجاد بديل تنطبق عليه الأدلة كما انطبقت على الحجر، ولم يعينوا موقع بعثة نبي الله صالح وهو دليل على عدم صحة ما ذهبوا إليه.

وذكر الفايدي بعض المخالفين له في هذه المسألة مبينًا أن مؤرخ المملكة العربية السعودية حمد الجاسر ذكر في بحث له بعنوان «ليس الحجر من مدائن صالح»، والباحث عبدالرحمن الأنصاري في مؤلفه «العلا ومدائن صالح» ذكر أنه لا علاقة للحجر بقوم صالح.

وبين الفايدي في رده على الجاسر والأنصاري أن «القضية ليست في اسم صالح ومن يكون بل القضية الأهم هي علاقة ثمود بالحجر، وهو الذي أكده الجاسر في موضع آخر في سرده للتاريخ».

وأكد أن الحجر لها علاقة بقوم كفروا بآيات ربهم ونزل بهم العذاب، وأشار الفايدي إلى أن الأدلة النقلية والعقلية والشواهد والآثار والنقوش والمنحوتات تخالف ما ذهبا إليه.

القصور المدفونة

أوضح الفايدي «تطابقت نوعية البناء في منطقة الحجر من القصور التي نحتت في الجبال وبناء الثموديين القصور في السهول، وبين أن القصور التي شيدها الثموديون منها ما نحت في الجبال ومنها ما بني في السهول، وأكثر قصور الثموديين في السهول غمرتها الرمال، وربما يكون اختفاء القصور في السهول من أسباب اللبس الذي وقع فيه بعض المؤرخين».

وأضاف «كشفت الحفائر القليلة التي أجرتها فرق البحث في المناطق السكنية عن بيوت حجرية وأنواع عدة من الموصوغات والأواني وعثر على أعمدة منحوتة في الصخر وأحواض للمياه وعلامات أخرى تدل على وجود مبان متعددة تحت رمال منطقة الحجر التاريخية، وبالذات في السهول، وتم اكتشاف مجموعات من البيوت وما زال كثير منها تغطيها رمال الحجر».

مقابر الأسود

بين الفايدي أن «مساحة آثار الثموديين في الحجر الصغيرة التي لا تتجاوز 3 كيلو مترات مربع ربما كانت أحد الأسباب التي أشكلت على الباحثين»، مشيرًا إلى أن الثموديين شغلوا مساحات أخرى غير الحجر التي تحتفظ بآثارهم حتى اليوم، وأن مقابر الأسود في منطقة الخريبة التابعة لمحافظ العلا هي من مساكن قوم ثمود (قوم صالح عليه السلام) كما أن رسالة نبي الله صالح عليه السلام التي أثبتها القرآن الكريم ولا يستطيع أحد إنكارها غطت مساحات أوسع من منطقة الحجر، وهذا ما يظهره تشابه الأشكال في النحت والبناء، وما وجد على النقوش الصخرية التي تثبت أن حضارة الثموديين امتدت إلى الخريبة المعروفة تاريخيًا بمقابر الأسود».

مدائن صالح

الحجر قرية صغيرة حصينة كثيرة الآبار والمزارع بها بئر ثمود الذي ذكرها الله في القرآن، وقسم نبي الله صالح ماؤها يوم لسكان الحجر ويوم للناقة فاعتدوا على يوم الناقة في الشرب أولًا ثم عقروا الناقة ونزل بهم العذاب الذي أفناهم ثم تتابعت الحضارات من بعدهم على ميراثهم وسكنوا الحجر وبقي هذا الاسم إلى يومنا الحاضر.

ولم تعرف الحجر بمدائن صالح إلا في نهاية الخلافة العباسية، ومن الثابت تاريخيًا أن الثموديين (قوم صالح عليه السلام) عاشوا في مناطق من شمال غرب في الجزيرة العربية ومنها الحجر.

وأضاف «من يتبع تاريخ الحجر يجد أن المؤرخين والمفسرين والمحدثين يتفقون أنها مقر قوم ثمود الذين أرسل الله إليهم نبيه صالح عليه السلام، وكرر القرآن الكريم قصتهم في كثير من السور وحتى لو لم تطلق على الحجر اسم مدائن صالح قديمًا لجاز إطلاقها حاليًا، لأن نبي الله صالح عليه السلام أرسل إلى هذا الموقع أي إلى ثمود في الحجر، وتطابق اسم صالح الذي في المابيات وهي عبارة عن مبان صغيرة، أو قرية ذات مبان معدودة ولا يمكن أن يطلق عليها مدينة، مع اسم نبي الله صالح لا ينفي اسم النبي صالح عليه السلام عن الحجر، والأهم تثبيت اسم الحجر في موقعه الحالي ولا تثار حوله الشكوك كونه يتعلق بسير الأنبياء وقصص القرآن وتتعلق به أحكام شرعية».

ويكمل «إن القول بأنه لم يرد في الأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند مروره بالحجر في السنة التاسعة للهجرة أثناء توجهه إلى تبوك ما يؤيد وجود علاقة بين الحجر وثمود قوم صالح غير صحيح إطلاقًا، فقد روى البخاري وغيره عن ابن عمر أن رسول الله لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستسقوا منها، فقالوا قد عجنا واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهرقون الماء».

عاصمة الحضارات

تعاقبت الحضارات على الحجر في وادي القرى مثل اللحيانين والأنباط الذين اتخذوا من الحجر عاصمة ثانية لهم بعد البتراء في مطلع القرن الأول، وتحولت إلى قاعدة عسكرية للسيطرة على طريق التجارة القادم من جنوب الجزيرة العربية.

والحجر من المناطق التي تسابقت عليها الحضارات والممالك القديمة لوفرة المياه وخصوبة أرضها، وهذا من أسباب الاستقرار المكاني لها منذ أقدم العصور، فقد كانت منطقة مأهولة بالسكان منذ قبل الميلاد، حيث سكنها الثموديون، وهي تحتل موقعًا إستراتيجيًا على طريق التجارة الذي يربط جنوب الجزيرة ببلاد الرفدين وبلاد الشام ومصر ومنها يتفرع الطريق إلى فرعين أحدهما يتجه شمالًا إلى البتراء مرورًا بتبوك والآخر إلى بلاد الرافدين عبر تيماء ودومة الجندل، وهي تعد بمثابة ملتقى للطرق التجارية في شمال الجزيرة العربية، وتعاقبت عليها 4 ممالك وهي مملكة ديدان ومملكة لحيان ومعين ودولة الأنباط.

الثموديون في النقوش

استنبط المؤرخون من الكتابات الثمودية أن الثموديين كانوا يعرفون الكتابة والقراءة وأن منهم من احترف مهنة الكتابة بخط المسند (خط البادية)، وتشير النقوش والرسومات الصخرية الثمودية إلى أن الثموديين جمعوا بين عمل التجارة والزراعة واشتهروا بزراعة النخيل والعنب والقطن والبصل والبخور والورد، وتصور النقوش الثمودية رجالًا ذوي قامة عادية يلبسون إزارًا وحزامًا بالوسط ورأس مكشوفة بشعور قصيرة، أما النساء فهن بشعور طويلة وهن من العاملات في الحقول وجلب الماء ويلبسن الثوب الطويل الساتر ويرتدين خمارًا وهن شديدات الرغبة في التزين والتجمل بالحلي والأساور، واشتهروا بنقوشهم بخط المسند المعروف بـ(خط البادية) وغالبية نقوشهم الكتابة في المناسبات الشخصية والمذكرات القصيرة قليلة الفائدة التاريخية تسمى لدى الباحثين بالمخربشات ليست من الكتابة المنمقة التي يهتم بها أصحابها مثل الكتابات والنقوش والرسومات الصخرية التي كتبها السبئيون والمعينيون والقتبانيون والحضارمة والحمريون واللحيانيون.

الضرائب والنكوس

نظرًا لكون العلا من أهم المحطات التجارية على طريق القوافل الذي يتجه من جنوب الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين وبلاد الشام ومصر فإن اللحيانين استفادوا من القوافل المارة عبر بلدهم خلال جمع الضرائب والمكوس وتقديم الخدمات من طعام وشراب وغيرها لأصحاب القوافل كما عمل اللحيانيون في نقل التجارة من جنوب الجزيرة العربية، حيث تذكر نقوشهم الزكاة والقرابين التي كان يقدمها التجار اللحيانيون تقدم لمعبدة (ذي غيبة) كضرائب عن الإبل المحملة بالسلع التجارية.

عرب عاربة

بحسب الفايدي «يجمع المؤرخون الإسلاميون على أن الثموديين عرب وهم من العرب العاربة نشأوا في اليمن، وسكنوا الحجر في القرن الثاني قبل الميلاد في الحجاز والجوف ووسط الجزيرة العربية وبقوا فيها حتى نهاية القرن الثاني الميلادي، وكان لفظ الحجر مستعملًا ما قبل الميلاد حيث ورد ذكر الحجر في بعض المصادر الكلاسيكية في ثنايا الحديث عن الأنباط فقد ذكرهم المؤرخ ديودور الصقلي معتمدًا على ما كتبه هيرونيموس الذي سجل كثيرًا من مشاهداته عن الأنباط في أوخر القرن الرابع قبل الميلاد».

نحت في الجبال

يؤكد الفايدي أن الثموديين أول من سكن الحجر وأول من نحت المنازل في الصخور وجاء بعدهم الأنباط.

وتميز الثموديون بالقوة وكانوا يتخذون من الجبال بيوتًا لأن أعمارهم كانت تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم (كان أحدهم يبني البيت من المدر فينهدم وهو حي) فنحتوها في الصخر وهي باقية لهذا العهد.

وعن تسميتها بالحجر، قال «عرفت بهذا الاسم لأنها منطقة منخفضة وفسيحة تحيطها جبال من الحجر الرملي (الكوارتز) حتى إن الداخل إلى المنطقة ليجد نفسه وسط سلسلة من الجبال المتشابكة والمنفصلة والمنحدرات الصخرية».

الحضارات والحجر

بعد أن قضى الرومان على مملكة الأنباط سنة 106 للميلاد تحول طريق التجارة إلى البحر، وبدأت الحجر (مدائن صالح) تفقد أهميتها فأخذ الناس يهجرون الموقع هجرة نهائية لانعدام فرص العمل ومقومات الاستقرار والحياة الاقتصادية.

الجدل بسبب التعاقب

رد نائب الرئيس للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقًا الدكتور حسين أبوالحسن على هذا الجدل من خلال عدة نقاط طرحها في رده على تساؤل «الوطن»، حيث قال «الحجر» مدائن صالح «تقع على بعد 22 كلم شمال شرقي العلا، وورد ذكرها في عدد من سور القرآن الكريم، ويطلق اسم الحجر على هذا المكان منذ أقدم العصور. ويستمد شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية والشام، ومن أصحابه المعروفين قوم ثمود الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم بأنهم رفضوا دعوة نبي الله صالح -عليه السلام- وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية».

وأضاف «تعاقبت على مدائن صالح (الحجر) عدة حضارات بعد قوم ثمود فقد سكنها اللحيانيون والأنباط الذين اتخذوها عاصمة جنوبية لدولتهم التي فرضت نفوذها على شمال غربي الجزيرة العربية وكانت البتراء عاصمتهم الشمالية».

وعن سبب تسميتها «مدائن صالح» قال «أصل تسمية الحجر بمدائن صالح أو مدن صالح أو مدينة صالح كان منذ القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، حيث ذكر ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله نقلا عن أبي محمد القاسم البرزالي (ت سنة 739هـ/ 1338م)» مدائن صالح التي بالقرب من العلا على طريق الحاج من الشام بلد إسلامي، وصالح المنسوبة إليه من بني العباس بن عبدالمطلب. وبعد انتشار الإسلام في بقاع العالم عادت الحركة والنشاط إلى طريق التجارة القديم الذي يمر بالحجر (مدائن صالح)، حيث سلكته قوافل حجاج بيت الله الحرام القادمين من بلاد الشام وما حولها، قاصدين بيت الله الحرام في مكة المكرمة ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة. وبذلك أصبحت الحجر محطة من المحطات التي تقف فيها قوافل الحجاج للاستراحة والتزود بالماء والزاد. ويحتوي الموقع على قلعة إسلامية وعدد من مباني محطات سكة حديد الحجاز الممتد من دمشق إلى المدينة المنورة، وكانت مدائن صالح إحدى محطاتها الرئيسية، إضافة إلى المقابر والآبار المنحوتة بالصخر والمنطقة السكنية التي تتوسط موقع الحجر.

زراعات اشتهر بها الثموديون

1- النخيل

2- العنب

3- القطن

4- البصل

5- البخور

6- الورد

asf

رحالة زاروا العلا

1. البريطاني شارلز داوتي

2. الفرنسي شارلز هوبر

3. الألماني يوليوس أوينتج

4. الفرنسي جوسين

5. الفرنسي سافينياك