كان أعلام الديوان «العقاد، المازني، شكري» يمثلون علامات فارقة في مسيرة الأدب العربي، وكانت المجلات الثقافية المصرية، تمثل ملتقى ثقافياً عربياً، تصوب إليها أنظار العرب جميعاً، لكي يكتبوا فيها بجوار طه حسين والعقاد والمازني وشكري والرافعي، ومن الطبيعي جوارًا ومعرفة أن الحجاز ـ الذي يمثل البر الشرقي للبحر الأحمر ـ يلتفت إلى مصر وأعلامها وهو يؤسس لنهضته الأدبية منذ عام 1350هـ.

هذا ما يبحث فيه كتاب «الباصرة الحجازية» للدكتور عبد الرحمن بن حسن المحسني، الذي درس من خلاله أثر جماعة الديوان في أدباء الحجاز من 1350 - 1400هجرية، موضحا ملامح التلاقي بين أدباء الحجاز وأدباء مصر في ثلاثة أبواب وعدة فصول.

البصيرة والوعي

يتوقف الكتاب عند «الديوان» كجماعة رائدة للتجديد، وجهدها النقدي والشعري بأعلامها الثلاثة «شكري، العقاد المازني»، وكيف تأثر العرب بهم، ومنهم أدباء الحجاز، لافتا إلى تأثر الشاعر السعودي محمد حسن عواد، ومجموعة من أدباء الحجاز بجماعة الديوان وبالعقاد خصوصاً، وشن العواد هجوما على شوقي، جاء فيه أنهم في الحجاز كانوا لا يؤمنون بإمارة الشعر.

ويقول الدكتور المحسني «من استقراء التاريخ الحديث، تتأكد العلاقة الوطيدة بين مصر وهذه الجزيرة، مع مطلع العهد السعودي الثالث، ونعلم أن الملك عبد العزيز قد زار مصر، كما أورد العقاد طرفاً من هذه الزيارة وصوراً منها في كتابه. «مع عاهل الجزيرة العربية»»، كما أن علاقات العقاد والمازني مع الحجاز قد بدأت مبكراً، وقد زارا الحجاز وضمنا ذلك كتبهما.

وإذا كان عنوان الكتاب قد يحيل إلى «لعبة الورق» الشعبية، فإن المحسني يوضح مبررات العنوان قائلا:

«سهلت العلاقات السياسية المفتوحة تواصل الحجاز مع مصر، وساهم الجوار وأماكن المقدسات في الحجاز، في توثيق هذه العلاقة. ومن هنا كان اختياري لعنوان الباصرة الحجازية، التي توضح البصيرة والوعي المبكر لدى أدباء منطقة الحجاز في التوجه إلى مصر دون غيرها في هذه الفترة»، و في التمهيد للكتاب يفصل المحسني ملامح هذه الرؤية والباصرة الواعية. تواصل متقاطع

والتواصل بين الشعوب والآداب سنة ماضية، ولا غنى لكل أدب حي أو يريد الحياة، عن الإفادة من الآداب الأخرى، على وجه المحافظة على الثوابت والتميز لكل أدب عن الآخر، وشهد الحجاز توجها أدبيا وثقافيا نحو مصر منذ مطالع القرن العشرين، وولد الجو السياسي مؤثرات ثقافية واجتماعية، سهلت انتقال الكتاب المصري ووصوله إلى الحجاز، كما اتجه كثير من أدباء ونقاد الحجاز بمؤلفاتهم إلى مصر، ودفع هذا المناخ البلاد وهي في طور نشأتها، إلى الاستعانة بقدرات ثقافية من مصر، للتدريس أو لإحياء الملتقيات الثقافية، وغير ذلك مما لا ينكر.

أما المجلات والصحف المصرية فقد عرفت في الحجاز منذ وقت مبكر.

وكشفت مجلة الرسالة ملامح من هذا التواصل الثقافي، وهو تواصل متقاطع، فقد كتب فيها كثير من الأقلام الحجازية، وكتب بعض من أدباء مصر عن أدب الحجاز. ولم تكن الرسالة وحدها في الساحة الثقافية، فقد كانت هناك الهلال والمقتطف، اللتان أورد ذكرهما عبدالقدوس الأنصاري، وذكر أحمد عبدالغفور عطار، جملة من الصحف كمصدر من مصادره المعرفية، يقول: «كنتُ أقرأ مجلات تلك الأيام كالهلال والمقتطف والرسالة و«الجرايد»

اليومية»، كما بدا العوّاد معتزاً بذكره في مصر، عبر صفحات مجلة النهضة المصرية، بقلم صاحب العزة العامري بك، الذي كتب عن كتاب العوّاد «خواطر مصرحة».

معطيات ثقافية متقاربة

يستشهد الكتاب بإشارة حسين عرب إلى الليالي، التي كانوا يتحلقون فيها في المسجد الحرام، يتناقشون فيما تنشره مجلات الرسالة والثقافة والسياسة الأسبوعية من مقالات، ويتحدث عن تفتح أعينهم على أدباء من أمثال العقاد والمازني وشكري. ولم تغب مصر عن باصرة نقاد الشعر في الحجاز وهم يقيمون شعرهم.

ويتوقف عند المشتركات الثقافية قائلا: «تتشارك البيئات المتجاورة عادة في معطيات ثقافية متقاربة، لكن الأمر هنا يبدو بشكل آخر، فأعلام الديوان «العقاد، المازني، شكري» يمثلون علامات فارقة في مسيرة الأدب العربي، ولا يمكن لنا بحال أن نتلمس حركة الأدب العربي الحديث، دون أن نقف عند تلك العلامات المضيئة في مسيرته، الذين مثلوا منطلقات تجديدية مهمة، وكانوا يمتلكون قلق المعرفة ومحاولة تحريك جمودها. وكانت مصر بأعلامها هؤلاء وغيرهم منارة يهتدى بها، وكانت المجلات الثقافية المصرية آنذاك تمثل ملتقى ثقافياً عربياً كبيرًا».

الدكتورعبد الرحمن بن حسن بن يحيى المحسني

رئيس قسم اللغة العربية. «سابقا»

أستاذ مشارك الأدب والنقد

جامعة الملك خالد

كتب وإصدارات:

خطاب الـsms الإبداعي دراسة في تشكلات البنية

بنية شعر التفعيلة في السعودية

توظيف التقنية في الشعر السعودي

قنا عسير دراسة في حركة الفكر والأدب