اطلعت على ما نشر في صحفية الوطن السعودية بقلم الكاتب عبدالله الجديع، تحت عنوان «فقه في الشؤون الإسلامية ووزارة» بعددها رقم 8000، الصادر في يوم الأحد الموافق 14/7/1444هـ، وما حمله بين ثنايا سطوره حول القيادات الحازمة، وما قدمه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ ــ وفقه الله ــ

فأقول:

لقد رسم الوزير خارطة الطريق لعمل الوزارة، برؤيةٍ سديدة ونظرةٍ ثاقبة، لجعلها منبراً لنشر الاعتدال والوسطية والعقيدة الصحيحة، ورأس حربة لمواجهة التحديات، التي تستهدف أمن البلاد والعباد، وصخرةً تتحطم عليها رغبات وآمال أرباب الفتن، ودعاة الشر والظلام من أصحاب التوجهات الفكرية الضالة، والأجندة المشبوهة التي تتحين الفرص، لضرب اللُحمة الوطنية وترابط الشعب السعودي مع قيادته، بحكمة الوزير وثباته وشموخه وعزيمته وإصراره، تداعت وانهارت آمال المرجفين، سلاحه في ذلك الحجة البينة المستمدة، من وحي كتاب الله وسنة نبيه، وحبه لوطنه، وإخلاصه وصدقه مع ولاة أمرنا، فمعاليه ومنذ الأيام الأولى من توليه الوزارة، سعى للارتقاء والتطوير في كافة الجوانب والأعمال الجليلة، التي تعنى بها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والإشراف على تنفيذ ذلك بنفسه، من خلال سن تشريعات ونُظم حديثة لخدمة بيوت الله ومرافقها، وحمايتها من التعديات، ومن ذلك على سبيل الذكر لا الحصر، تدشين معاليه نظامَ إدارة شؤون المساجد، كنظام خدمات وقاعدة بيانات متكاملة عن المساجد وخدمة منسوبيها، والذي نُفذ وفق أحدث التقنيات المتبعة في هذا المجال، وكذلك اعتماد تطبيق إلكتروني لمراقبي ومراقبات المساجد، لزيادة دقة المعلومات ورفع كفاءة الأداء، بما يتفق مع تطلعات الوزارة، لقد أنجز معاليه ـ وفقه الله ـ ذلك وأكثر بأقل التكاليف وبأعلى المعايير، وبما يتوافق مع نهجه وتأكيده الدائم، على حفظ المال العام وترشيد الإنفاق من ميزانية الوزارة، والذي يطبقه على نفسه قبل الآخرين، تجسد لنا ذلك فعلياً وعلى أرض الواقع، فعندما زار معاليه ـ حفظه الله ـ منطقة القصيم في إطار جولاته التفقدية على فروع الوزارة والتي لم يألُ فيها جهداً، ولم يدخر منها وقتاً، بالرغم من تكبده المشقة وتجشمه عناء السفر براً من العاصمة الرياض، إلى منطقة القصيم، إلا أنه أبت نفسه التواقة للعمل، والشغوفة بالنجاح والإنجاز، والمفعمة بعزيمةٍ وهمةٍ قل نظيرهما، والتي تتسم بها شخصية معاليه الجادة، بأن يخلد إلى الراحة إلا بعد عودته إلى مدينة الرياض، بعد إتمامه برنامجَ الزيارة كاملاً، ليكون بذلك مثالاً أعلى يُحتذى به، وخير قدوة لكل منسوبي ومنسوبات الوزارة. ومن الأهمية بمكان الإشارة لدوره، بضبط المنابر وتوجيه دفتها إلى المسار الصحيح، لتكون مشكاةً تنير الطريق، ومنبراً يصدح منه صوت الحق، ليعزز ثقافة التسامح والاعتدال وقبول الآخر، بالإضافة إلى مساهمة الوزارة الفاعله بقيادته، لخدمة شباب وشابات الـوطن، من خلال طرح آلاف الـوظائف، ما بين مراقب وداعية وحارس أمن لكلا الجنسين.

إن الوزير ـ وفقه الله ـ يفتح قلبه قبل باب مكتبه، للموظفين والمراجعين ويتلقي الاتصالات المباشرة على هاتفه الجوال بكل رحابة صدر وتواضع، وبساطة ونقاء سريرة، فهو بطبعه حنون بكلامه، لطيف بمجلسه وقريب من الناس، وما يتعين ذكره أنه على الدوام يحثنا كمسؤولين، كلما سنحت الفرصة، على مواصلة الجهد، وبذل الوقت في خدمة المراجعين، وفتح قنوات التواصل معهم، كان ولا يزال يأمرنا بالرفق واللين والإحسان، والبذل والصبر والتواضع والتثبت، جمع معاليه ـ حفظه الله ـ بين الحزم واللين، طبق النظام على نفسه قبل غيره، قراراته صارمة وأوامره على الكبير قبل الصغير في وزارته نافذة، بكل ثبات وثقة، بذل وقته في الليل قبل النهار في السفر قبل الحضر، يسمع من الجميع ويقف مع الجميع وعلى الجميع.

يذكُر لنا التاريخ عبر عصوره، كثيراً من القيادات الناجحة، على اختلاف مستوياتها ومسؤولياتها، وإذا بحثنا عن سبب تسجيل هذا أو ذاك في قائمة الناجحين، نجد أن العزم والحزم والجد، كانت وراء نجاحهم.

إن قوة الشخصية، ومتانة الرأي، والحزم، صفات لا تنفك عن الشخصية المسؤولة الناجحة «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير» الحديث. يتغنى المسلمون وغيرهم بسيرة عمر بن الخطاب، بل اتخذها المسلمون نبراساً يُحتذى وسيرة تُقتدى، كما درسها المستشرقون، وما ذلك إلا لما اتصف به عمر بن الخطاب، من صفات الشدة والحزم والجدية وقوة الرأي، فأصبح ناجحاً في نظر العارفين، وكذا الناظرين في سيرته، مع أنه لم يسلم من النقد عند أقوام، وعدم الرضا عند آخرين، فعندما بويع بالخلافة أظلمت المدينة!.. لماذا؟ لأنهم لا يحبون ولايته لما بينه وبين أبي بكر من الفرق، فعمر غليظ شديد، وأبو بكر عطوف رحيم ـ رضي الله عنهما ـ كان من أحرص الناس على العدل، ومع ذلك قوطع وهو يخطب يوم الجمعة ليقال:- اعدل إنك تلبس ثوبين «وكان طويلاً»، حاسبَ قُدامة بن مضعون «من أهل بدر» وعزل خالد بن الوليد «سيف الله» وعنف معاوية «أمير الشام»، واستجوبَ سعد بن عبادة «سيّد الخزرج» ومع هذا كله كان هو المسؤول الناجح بكل المقاييس، وعلى ألسنة جميع المفكرين والمنظرين.

لقد ترك العواطف خلف عقله، كان ينظر بعين العقل دون عين العاطفة، قرارته صارمة، وأوامره حازمة في الكبير قبل الصغير، والذكر قبل الأنثى، والقريب قبل البعيد، كان الصحابة يخافونه ويهابونه ويجلونه، مع أن بعضهم مثله في المنزلة والفضل، شرع بإدارته لشؤون البـلاد والـعباد بمبدأ «الحـقُّ قـويُّ ولو كـان أعـزلَ والبـاطلُ ضعيفٌ ولو كـان مُدججاً»

مات عمر ففرح بعضهم! ثم سرعان ما ندموا وتمنوا حياة عمر، وليس كل حياته، بل يريدون ولو ساعةً من نهار.

ذهبَ وجاء الخليفة بعده، وكان اللين مع الرعية، العطوف عليهم، يتجاوز عن مُسيئهم، قابلهم بالإحسان وواجهوه بالإساءة وقالوا: نريد عمر ! نريد عمر ! نريد عمر ! ولو ساعةً من نهار، مع شدته يريدونه ! مع غِلظة عمر يطلبونه!! لقد كان كبيراً في نفوسهم لما كان أميرهم، ثم ظهر ما في نفوسهم على ألسنتهم بعدما ارتحل وانتقل.

إلى كل مسؤول أهدي هذه الكلمات، وأزف تلك العبارات، فالمسؤول الناجح هو الحازم والعازم، لأنه الكبير في النفوس، حتى وإن أنكرتها، فسوف تعترف ولو بعد حين.

فهد بن سليمان التويجري

مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية

والدعوة والإرشاد بمنطقة القصيم