صدر نظام التعليم الجامعي عام 2019، ويطلق عليه النظام الجديد باعتباره الأحدث، وكانت لي وجهة نظر منذ صدوره، وأرى إعادة نقاشه وفق المستجدات التي تلت صدوره، خصوصًا أن نمطية سيطرت على تطوير سياسات التعليم العالي لدينا على مدى 4 عقود تقريبًا، مما يعني الحاجة إلى فكر مختلف لتفكيكها،

ربما أحد صفات الأكاديميا، السير ضمن نمطية «نمذجة» في التفكير والأداء، تتسبب أحيانًا في عدم تقبل أي نموذج/ فكر مختلف عبر إهماله أو عدم التعامل مع إيجابياته والاستفادة منها والبناء عليها، ولعل وجود وزير قادم من خارج أسوار الجامعات يسهم في التعامل مع سياسات التعليم من وجهة نظر مؤسسية مختلفة.

وأسهمت رؤية 2030 في تفكيك بعض الأنماط الإدارية التقليدية في بعض القطاعات، وقد حاول قطاع التعليم مسايرتها عبر تغييرات عدة، لكنه لم يكن جريئًا بكسر بعض القوالب السائدة في السياسات الإدارية والاقتصادية للجامعات باعتبار لها حراسها.

آليات صنع السياسات

اتفق كثيرون على أن نظام التعليم العالي لم يعد يحقق أغراضه أو لم يعد يحفز التطور والنمو الفكري والإقتصادي والإداري للجامعات السعودية وفق مبررات قدمه، والتغييرات الاقتصادية والإدارية التي نشأت، وتطور الممارسات العملية والمهنية، والحاجة إلى المنافسة البينية والخارجية، وغيرها، وساهم بذلك التغييرات التي فرضتها رؤية 2030، مثل دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي والتركيز على ترشيد الإنفاق والإنتاجية.. إلخ.

وبنيت فلسفة نظام التعليم الجامعي الصادر 2019 بترتيبه وفق 3 مستويات في المهام والصلاحيات،

المستوى الأعلى يمثله المجلس الوطني الأعلى أو ما سمي بمجلس شؤون الجامعات، ويفترض أن يهتم بالسياسات والتوجهات والإستراتيجيات الوطنية العليا والرقابة العامة على أداء المجالس الأدنى وإقرار التعيينات المتعلقة بمجالس الأمناء وإقرار السياسات التي ترفع بها مجالس الأمناء وتحتاج موافقات عليا، أي أنه يملك الحد الأدنى من التدخل في الصلاحيات والعمل التنفيذي داخل الجامعات، ويهتم بالإستراتيجيات الوطنية.

المستوى الثاني يمثله مجالس الأمناء، وتكون مسؤولة عن الرقابة المالية والإدارية على الأداء العام للجامعة والتشريعات الداخلية للجامعة وإقرار الميزانيات والإستراتيجيات والتعيينات على مستوى قيادات الجامعة.. إلخ، المستوى الثالث يتمثل الجانب التنفيذي «مجلس/ إدارة الجامعة»، وهي المسؤولة عن تنفيذ السياسات والإستراتيجيات التي يقرها مجلس الأمناء.

نظام الجامعات لم ينجح

النظرة الفلسفية والقيم، كانت أهم الملامح المفترضة في النظام، ووفقها برزت القوة في شكله الخارجي المتمثل في المجالس التي أسست العمود الفقري «شؤون الجامعات، والأمناء، والجامعة»، لكن التفاصيل جاءت غير ملتزمة بالفلسفة المقترحة ولا تحقق القيم، وكان هناك خلل في عدم تقنين الصلاحيات، بين التنفيذي والإشرافي والرقابي، وبين الإستراتيجي وطنيًا والتنفيذي على مستوى الجامعة، أسندت كثير من الصلاحيات التنفيذية إلى مجلس شؤون الجامعات بشكل أضعف وهمش صلاحيات المجالس الأدنى.

نمطية وإرث إداري

الملاحظة الثانية، عدم تطبيق ما ورد في النظام، فلم تتجاوز الجهات ذات العلاقة «وزارة التعليم أو مجلس شؤون الجامعات أو بعض القطاعات الأخرى» نمطيتها وإرثها الإداري المعتاد، فلسفة النظام يفترض أن تحكمها مرونة التطبيق الإدارية عبر توسيع دائرة صلاحيات الجامعات وتقليص تدخلات الوزارة، لكن النظرة المركزية والتحفظية التي تحكم ثقافة قيادات التعليم لم تساعد، فمثلا مجالس الأمناء التي طبقت على جامعتين لم تقدم المأمول، وبدت مجرد طبقات بيروقراطية فاقدة للفعالية لأنها لم تستوعب كفكرة جديدة خارج سياق نمطية التفكير الأكاديمي الإداري المحلي، كذلك مجلس شؤون الجامعات لم يتطور بالشكل المأمول.

جامعات مستقلة

الملاحظة الثالثة هي التغييرات التي أعقبت صدور النظام، مثل تغير مرجعية بعض الجامعات لتصبح مستقلة أو خارج النظام الحكومي التقليدي، ما يطرح السؤال عن موقع الجميع ضمن إطار/ نظام وطني عام، ولا ننسى بروز لغة تفكير إدارية واقتصادية مختلفة، تتطلب التعامل معها وفق تنظيم إداري فعال وأوضح في تسلسل دراسة واتخاذ القرارات.

ملامح نظام مقترح

بناء على تقدم، اقترح إصدار نظام جديد لعدم صلاحية النظام الحالي «الصادر عام 2019» للتطبيق، وفق التالي:

أولاً: فلسفة النظام عبر مستويات المجالس الثلاثة كما شرحناها أعلاه وقيمه مقبولة، لكن لا بد من الالتزام بالفلسفة التنظيمية في توزيع الصلاحيات والمهام وفق المستويات الثلاثة؛ وطني إستراتيجي، رقابي وتنفيذي، ولابد من خلق سياسات تتوائم مع القيم.

لا يكفي القول نريد استقلالية الجامعة ونحن لا نمنحها الصلاحيات لذلك ولا نغير النظام المالي ليكون مبنيًا على الإنتاجية، ولا حاجة لتكوين مجالس أمناء مهمشة أدوارها ومحدودة صلاحياتها، والأهم لا حاجة إلى سياسة تنظيمية يُمنع نقدها وتطويرها.

ثانيًا: تعدد أنماط الجامعات السعودية يستوجب وجود نظام وطني يحتويها جميعًا، يتسم بالشمولية ويتعامل مع التوجهات العامة وليس التفاصيل التنفيذية، لدينا 5 أنماط للتعليم العالي، ومن غير المناسب وضع نظام مستقل لكل واحد منها!.

ثالثاً: هناك حاجة إلى تطوير وتحديث وتمكين مجلس التعليم العالي (مجلس شؤون الجامعات) وفق حوكمة وشفافية ومنهجية تستند على أسس وقواعد بيانات ودراسات ورصد علمي واضح في صنع السياسات التعليمية والإدارية ذات العلاقة.

رابعًا: هناك حاجة إلى تحييد وزارة التعليم في علاقتها بالجامعات والتدخل في صلاحياتها والقيام بأدوار المجلس الأعلى. أو في الحد الأدنى تقنين أدوار الوزارة وتعريفها في النظا. رئاسة وزير التعليم لمجلس التعليم، لا تعني إدارة الوزارة للجامعات.

خامسًا: تبدو فكرة تأسيس مجلس أمناء لكل جامعة مكلفة ومرهقة، والتوجهات الاقتصادية وقيم النظام تحتم تعاون وشراكات وتقليص نفقات، فأقترح تأسيس ما يعرف بنظام الجامعة (University System) لكل مجموعة من الجامعات، يسهم في استفادة وتكامل الجامعات في الموارد الاقتصادية والبشرية والبحثية والأكاديمية وغيرها، ويمكن تسميته «تجمع» بدلاً من «نظام»، وأقترح إيجاد 5 تجمعات، وبالتالي 5 مجالس أمناء.

* محمد بن عبدالله الخازم

* أكاديمي سابق